قديح قال للجندي: «الجعبري خلفك».. فقتله

خرج الشاب أنور عبد الهادي قديح (19 عامًا) من سكان بلدة عبسان الكبيرة شرق خان يونس فرحًا بنصر المقاومة على الاحتلال، وتوجه في الصباح الباكر برفقة مئات الشبان لأراضيهم المحاذية للشريط الحدودي الذي حُرموا منها سنوات طوال.
ومن أن وصل قديح الشريط الحدودي بحي الفراحين الواقع على الأطراف الشرقية للبلدة، حتى تسلق السلك الحدودي الفاصل مع الأراضي المُحتلة، ورفع عليه راية فلسطين، بينما كان يقف مقابلة وعلى يبعد أقل من 20 مترًا عدد من جنود الاحتلال مترجلين من جيباتهم العسكرية.
وفي أثناء رفعه العلم كان أنور يهتف للمقاومة ويُكبر، وما أن نزل الأرض حتى نادى على أحد الجنود وقال له: "الجعبري وراك"، فما كان من الجندي والجنود المتواجدين بجواره سوى الرد عليه بإطلاق النار، وأصابوه في فمه الذي تلفظ بتلك العبارة، وأصابوا اثنين من رفاقه.
وعلى الفور حمل الشُبان الغاضبون وسط زخات المطر ونيران الاحتلال تجاههم وانطلقوا تجاه سيارة الإسعاف لأكثر من 500 متر؛ لأنها لا تستطيع الدخول للمنطقة، لعدم وجود طرقات صالحة.
وتعد هذه المرة الأولى التي يتمكن بها الشبان من الوصول للشريط الحدودي، والدخول لداخل الأرض المُحتلة والتحدث مع جنود الاحتلال، وتقبيل التراب الفلسطيني المُحتل وحمل حفنات منه، وسحب قطع جيب عسكري فجرته المقاومة الفلسطينية قبل أسابيع.
وصولنا انتصار
وما أن وصل قديح مستشفى غزة الأوروبي بالمحافظة حتى أعلن استشهاده رسميًا، ليكون أول شهيد يرتقي بعد إعلان التهدئة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، بعد ثمانية أيام من العدوان على غزة الذي خلف 168 شهيدًا وأكثر من 1234 جريحا.
خال الشهيد عمر قديح الذي كان يتواجد بجواره، يقول: "قام جندي إسرائيلي بإطلاق النار عليه بشكلٍ مباشر، بعد أن قال للجندي: "الجعبري خلفك"، وعلى ما يبدو أنهم يخشون من سماع اسمه، وهذا بدا واضحًا من ردة فعلهم، وإطلاق النار الحي والمباشر وعلى بُعد أقل من 20 مترًا، مما أدى إلى استشهاده".
ويتابع: "اعتقد الاحتلال أنه بجريمته تلك سيفرق الشبان، فبقوا مكانهم دون تراجع، وواصلوا هتافاتهم وتكبيراتهم، وبعضهم انشغل في تفقد أرضه بعدما كانت على مدار 12 عامًا مسرح عمليات لقوات الاحتلال".
ويلفت قديح إلى أنه لم يشعر بفرحة كهذه اللحظات التي يعيشها الآن، والتي تمكن فيها من دخول أرضه لأول مرة منذ 12 عامًا، والتي تبلغ مساحتها نحو 10 دونمات، كانت قوت عيشه الوحيد ولأفراد أسرته، لكن الفرحة لم تكتمل، بعدما قتل الاحتلال ابن شقيقته.
اللحظات الأخيرة لأنور
أما سامر أبو عنزة أحد الشهود على الجريمة وصديق الشهيد، فيؤكد أن الاحتلال أعدمه بدمٍ بارد بعدما ذهب فرحًا لأرضه المُحتلة، فقتله الجنود بالرصاص الحي، بعد أن حقق حُلمه ورفع الراية على الشريط الحدودي المُحتل الذي كانت تنطلق منه التوغلات المتكررة للحي الذي يقطن به.
ويضيف: "كنا ننادي أنا والشهيد بجوار بعضنا البعض على الجنود، ونقول لهم "الجعبري خلفك.. الجعبري خلفك.."، وما هي سوى دقائق، حتى أطلقوا النار علينا بشكلٍ مباشر وأصابوه بوجهه".
"هياتني رايح يا أمي سامحيني"، كانت هذه الكلمات الأخيرة التي نطق بها "أنور" لوالدته المُسنة رسمية قديح (65 عامًا) التي كانت تتوقع استشهاده بأية لحظة، وعلى الرغم من ذلك تقبلت الخبر بحزن شديد، وجلست تبكي لوداعه بجوار عشرات النسوة اللواتي أتين مُعزيات وتقول "الحمد لله.. الحمد لله.. الله يسهل عليك يا ابني.. الله يسهل عليك".