غزَّة.. والغاز!!

العلاقة بينهما ليست تشابها في الحروف بقدر ما هي واقع معقد، فالغاز لا يلعب دور البطولة فقط في حروب اقتصادية ذات اغطية سياسية، بل هو الان ينافس غزة على التظاهر والاعتراض، واذكر ان حوارا دار بيني وبين مدير معهد الاستشراق في موسكو السيد شاغال، قال فيه ان العلاقة بين النفط وفلسطين هي بيت الداء والدواء في الشرق الاوسط، واضاف: ان اي زعيم عربي يشير باصبعه الى فلسطين والنفط معا لا بد ان يدفع الثمن، وهذا ماحدث بالفعل مرتين على الاقل الاولى مصرع الملك الراحل فيصل والثاني مصرع العراق وليس نظامه فقط.
لقد تزامن الهجوم الوحشي على القطاع هذه المرة مع حراكات عربية تنادي باسقاطات عديدة، لكنها نادرا ما تهتف لسقوط الاحتلال فهو مؤجل حتى في الضفة الغربية التي شهدت قبل فترة حراكا ينادي باسقاط حكومة فلسطينية لاسباب اقتصادية، رغم ان الاحتلال هو سبب البلاءات كلها من الرغيف الى الحرية.
العالم الان يدرك ما الذي تهدف اليه اسرائيل رغم كل ذرائعها الدفاعية، وقد يسخر ساسة ومراقبون من هذا الخطاب الخائف الذي يصطنع دور الضحية، ويرتدي قناعها فمن يحاصر غزة ويجوع اطفالها ويعتدي عليها منتهكا بيوتها ومساجدها ومدارسها هو اسرائيل، ومن يدافع عن نفسه هو القطاع المقاطع، وليس تل ابيب ذات القبة الحديدية والحليف الامريكي الذي يمولها بالسلاح والقباب الفولاذية ويحول مستوطناتها الى ثكنات مدججة تقضم الاراضي وتستبيح حياة الناس.
واذا كانت الاشياء كما يقول اهل المنطق تستدعي مثيلاتها، فان غزة ليست قبيلة غزية التي قال شاعرها انه ابنها المطيع الذي يغزو اذا غزت ويرشد اذا رشدت.
فالشعوب على امتداد خطوط الطول والعرض في كوكبنا وبمختلف لغاتها تهتف الان لغزة وهي ترى اشلاء اطفالها وثواكلها وسماءها المغطاة بالدخان.
الافارقة والاسيويون والاوروبيون ليسوا من قبيلة غزية كي يكونوا الى جانبها بل هم متحضرون كشفوا المستور في دولهم التي طالما كذبت عليهم وورطتهم بدماء الشعوب وما قاله كاميرون رئيس وزراء بريطانيا رغم انه كثيرا ما ينطق عن الهوى ازعج نتنياهو والزمرة المتطرفة حين قال ان اسرائيل سوف تخسر الكثير اذا اقدمت على اجتياح بريّ لغزة. اوروبا ليست منشغلة بربيعها، لانها انتهت منه عام 1848 اي قبل قرن ونصف وان كان لها شجونها الاقتصادية والسياسية ايضا.
اما العرب فهم حائرون، وعربتهم التي عشش السوس في خشبها يقودها حصانان باتجاهين متعاكسين. فهم في اشتباك دموي مع بعضهم وقد تخربط ترتيب الاولويات في القائمة.
ومن يدري؟ لعلّ القطاع ادرك بعد عام 2008 انه وحيد، فنحت عكازه من عظم ساقيه وقرر ان يدافع عن حقه في البقاء بما لديه.. وما لديه لا يقاس بحاسوب الاسلحة، لان الشجاعة هي للاصبع الذي يضغط على الزناد وليست للزناد حتى لو كان من لهب او ذهب.
كلاهما يشتعل الان؛ الغاز ببورصاته ودسائسه وراء كواليس الشرق الاوسط، وغزة بدمها وكثافتها الديمغرافية التي لم تكن عبئا الا على من يقررون معاودة اختبارها باجتياح انتحاري. ومن يهتفون لغزة واهلها عليهم ألا ينسوا الاعتذار لكل طفل وشيخ وشجرة وزقاق فيها!!
التاريخ : 21-11-2012