الشعب الأردني يضحك!

وأخيراً..؛ لكنَّ ذلك لم يحدثْ بسهولَةٍ، كما قد تظنُّ باقي الشعوب السعيدَة و"المِسْعَدةْ". احتاجَ الأمرُ لموجاتٍ غير معدودَةٍ من رَفْعِ أسعارِ مشتقَّاتِ النفط، ومشتقَّات الحليبِ، ومشتقات الحبُوبِ..؛ وتضخُّمِ حاصلِ ضربِ الحياة بالألم..؛ فقد ارتفَعَ سعرُ الخُبْزِ كثيراً حتى صارَ الضحكُ في وجهه ساخناً تقليداً اجتماعياً، وخطوةً اضطرارية لكسب ودِّه ولو مِنْ طرفٍ واحِدٍ!يضحكُ الشعب الأردنيُّ هذه الأيَّام من قلبِهِ، ومن الظلمِ الفادحِ بعد الآن وصفه بـ "الشعب النكد" الذي له "كشرة" كانت جزءاً واضحاً من ملامحِهِ الصارمَةِ. ليس من العدل، بعد الآن، أنْ يخرجَ مذيعٌ عربيٌّ علينا ويدعونا للضحك، ويرجونا أنْ "نفكَّ" عقدَةَ الحاجِبَيْن قليلاً؛ فنحن الآنَ مَنْ ضَحِكَ أخيراً وكثيراً! شرُّ البليَّة ذهَبَ بالأردنيِّينَ إلى آخر درجات الضحك: فبائع الغاز هو العريس "اللقطة" لأيِّ فتاة وإنْ هي تكبَّرت وفاضلَتْ عليه "المهندس" أو الطبيب" أعادَها أهلها إلى "جادة الصواب"، وسارعوا إلى البائع وفق مثل محلي الصنع: "ظل جرَّة ولا ظلِ راجل وحيطة"! ارتفَعَ سعْرُ "الجرَّة" فخاواها الأردنيون، وألبسوها "الشماغ" وربطة العنق ذات الألوان الريفيَّةِ الفاقعَةِ، وأفسحوا لها صدرَ البَيْت، و"يا ضيفنا لو زُرْتَنا لوجدْتَنا، نحن الضيوفُ وأنْتَ ربُّ المنزلِ". كان ثمة قلق مشروع أنْ تتكبَّرَ "الأنبوبة" على أفران الغاز الصدئة والمثقلة بالزيوت الكثيرة الاستعمال؛ لكنها ستدخل بيوت الأردنيين جميعاً.لا شيء، بعد الآن، يعكِّرُ مزاج الأردنيين، فكلُّ أسعارهم صارت مرتبطة بالسوق العالمية، وهو أمرٌ لم يتحقق بالسهولَةِ التي تتوقعها الشعوبُ التي ما تزال عالةً على حكوماتِها، وتتلقَّى الدعْمَ كولدٍ عاطلٍ عن كلِّ شيءٍ. إنه بالطبع شعورُ الابن البكر الذي يُسافرُ لأوَّل مرة خارج الحدود بدون أبيه؛ صار أمامَ الحياةِ وجهاً لوجه: مسؤولاً عن وليس مسؤولاً من، لكنه في الحالتَيْن مطالبٌ بتسديد فواتير "المسؤولين"!يضحكُ الشعبُ الأردنيُّ أخيراً، وأنْ تأتي متأخِّراً، خيرٌ من أنْ تأتي مبكراً وتنتظر..؛ والأردنيون لم ينتظروا دواعي الضحك، فقد جاء في موعده تماماً، عندما صار تبديلُ "جرَّة غاز" يستدعي تهنئةً واسعة في الصحف اليومية، كإعلانات مدفوعة الثمن، وأصبحَت تكلفة ركوب "تاكسي"، أصفر وليس رمادياً، تُعادلُ قيمة مشوار عاطفي، لأربعة عشاق، إلى السينما! والأردنيون يثابرون على الحبِّ هذه الأيام؛ فعلى صفحات "فيسبوك" تحوَّلت ربَّات البيوت، بعد إنجاز مهام الطبخ الشعبيِّ، إلى شاعراتٍ حداثويات، والرجال الخريفيون صاروا يكتبونَ قصصاً افتراضية عن مغامراتهم في حبِّ من طابع سبعينات القرن الماضي، لإقناع الفتيات من مواليد 1992 - 1994 أنَّهم جادَّونَ أكثر، وحميميون أكثر من أبناء جيلٍ جديدٍ يهدرون أعمارهم في الاحتجاج وصناعة الربيع. وقتُ الفراغ، لدى الأردنيين، صارَ حبا يرتفع سعره كلَّ شهر، مع تسعيرة المحروقات، بواقع خمس ضحايا في جرائم لاستعادة الشرف!يا أيها الأردنيون: نوابٌ وناخبون، وزراء ومستوزرون، متقاعدو الضمانِ الاجتماعيِّ على القانون القديمِ كما على القانون الجديدِ، جمهورُ الوحدات والفيصلي في الدرجَةِ الثالثَةِ كما في المِنصَّةِ الرسميَّةِ، سكانُ عبدون أو وادي عبدون، المقيمُونَ في المحافظاتِ والمرابطونَ في المخيَّماتِ، راكبو سيَّارات محرك 8 سلنْدَرْ كما راكبو سيارات محرك 4 سلنْدَرْ المستعمَلَةِ منذ تداعياتِ حربِ الخليجِ الثانيَةِ..؛ الضحكُ يُحرِّكُ 100 عضلةٍ، والغضَبُ يحرِّكُ 43 فقط؛ فاحذروا إذاً من "الحراك الضاحك"!nader.rantisi@alghad.jo