النسور لا يعرف أين المصاري
العجز في موازنة الدولة يحتاج الى خبراء أكفاء لمعالجته، وليس الى قرارات سريعة قد تعالج موازنة العام المقبل، ولكنها لن تعالج التي بعدها، وقرار رفع الدعم عن المحروقات سيفقد وظيفته في رفد ميزانية الدولة من اول موجة غلاء تنتظر العبور الى الاسواق، وعندها ستجد الحكومة نفسها في المربع الاول، تبحث عن حلول مجددا، منطبقا عليها القول «كأنك يا ابو زيد ما غزيت»!
اما معالجة قضية المحروقات برمتها فيلزمها كشف عن حقائق آليات شرائها، وفيما اذا تستغل وتورد عبر شركات وسيطة تجني ارباحا بالتلزيم والاجبار، او ان الشراء مباشرة من المنتجين والمصدرين، وكذلك قصة التمديد للمصفاة التي أكل عليها الدهر وشرب، وطبيعة ما تحققه من ارباح وفي أي اتجاهات تذهب. ثم تبيان من هم تجار النفط، وما يخص اصحاب الشركات العاملة بالمجال ومن يديرونها بالإنابة او مباشرة. وبعدها يمكن معالجة قصة النفط على اساس اسعاره الحقيقية، وبإتاحة الخيارات وحرية اختيار الموردين بالطرق القانونية عبر الوزارة المختصة، وليس أي فرد يتاجر علناً ومن خلف ستار.
في قصة عجز الموازنة ما يعيد إلى الذاكرة السؤال الاستنكاري الذي طرحه ذات عجز مثل الحالي الكاتب الصحفي خالد محادين لما قال: «وين راحت المصاري»، واعادة طرحه مجددا سيتكرر طالما يختلط على الحكومات أمر التجارة والسلطة؛ فنجدها لا تميز بين كونها تحكم ولا تتاجر، ولا بين الحاجة والاجبار عليها، او من يقرر في النهاية ومن يوافق. ولو ان الحكومة بقدرة التدقيق على الاشياء كما ينبغي، لوجدت أنه بإمكان رجل واحد ان يغطي العجز ان كان بالتبرع او الاقتراض؛ ففي الاردن اغنياء كثر وثرواتهم بالمليارات، وواجب الدولة عليهم ان يقفوا الى جانبها طالما ان ثرواتهم تحققت اساسا عبرها.
رئيس الوزراء عبدالله النسور لا يجد وسائله محليا، وعندما بحث عنها بالخارج احتك بتصادم مع دول الخليج، وهو يدرك ان امر السياسة وأي دور يناط بالاردن لا تفرضه هذه الدول، وان التعاون معها منوط ببرامج اوسع من ان تتحكم بها دول الخليج نفسها، وان الارادة والمصالح الامريكية هي الاكثر حضورا، وان الموقف الاردني من سوريا ليس على سوية موقف دول الخليج بحكم الظروف الخاصة، فالاردن ليس دولة قطر، وناصر جودة ليس الشيخ حمد.
وهو إذ «يخبص» بالاقتصاد، ولا يدرك معادلة النفط وتسعيرته، وأوصل الاحتقان الشعبي الى اعلى منسوب، فإن «التخبيص» في السياسة بإثارة الغير على الدولة، والعبث بعلاقاتها الخارجية سيفضي إلى أعلى منسوب من العزلة عليها، ولن يجد آنذاك من يقول لنا مرحباً.