هيكلة الشركات ... يا دولة الرئيس

دولة الرئيس ...
رغم الغمة التي سببها قراركم برفع اسعار المحروقات ، في هذا الوقت العصيب ، وبهذه النسب المرتفعة ، وبرغم قناعتنا بان الدعم الموعود ، لن يزيل الاثار السلبية للقرار ، حيث سيشمل ارتفاع الاسعار كل شيء في الاردن ، حتى الحطب ، وهو البديل عن المحروقات ، الا ان ما اوردتموه في لقاءاتكم التلفزيونية ، من خطط عمل للتقشف وارشاد الانفاق والبذخ الحكومي ، قد اثلج صدورنا ، ونحن نعيش على امل التنفيذ ، حتى ان هناك مواطنين قد دعوا لك بالبقاء رئيسا للوزراء ، الى ما بعد الانتخابات القادمة ، كي تنفذ ما عودت به .
لقد عشنا في العقد الاخير ، لنرى العجب العجاب ، في بلد الانسان فيه اغلى ما نملك ، راينا القهر للمواطن يزداد كل يوم ، فعدا عن النهب والسلب للمال العام ، حتى اقفرت الخزينة ، راينا البذخ الحكومي في منح النواب والاعيان والوزراء ، رواتب تقاعدية مؤبدة ، من مال الشعب الفقير المنهك ، حتى لو قضى في العمل العام ساعة واحدة فقط ، واعتقد ان مثل هذا الامر العجيب ، لا يوجد الا في الاردن ، في الوقت الذي يتبدل فيه الوزراء كل عدة اشهر ، وتقصف اعمار مجلس النواب الى سنتين بدل اربعة ، كما حدث في المجلسين الاخيرين ، وهو اجراء اثلج الصدور ، لكنه قهر الشعب ، وهو يرى نوابه يتسابقون لنهب المال العام ، برواتب تقاعدية غير مبرر ابدا ان تكون مؤبدة ، وقد سبق لحكومة سمير الرفاعي ، ان اتخذت قرارا وطنيا بمنح النواب مكافاة بدلا من الراتب التقاعدي ، خاصة ان العديد من النواب من صغار السن ، وسوف يستنزفون الخزينة المقفرة اصلا برواتبهم التقاعدية العالية ، ونحن نعلم ايضا ، ان معظم النواب ، قد فازوا بمقاعدهم النيابية بالمال وشراء الذمم ، وانفقوا الملايين ومئات الالوف على حملاتهم الانتخابية ، فما حاجتهم للرواتب التقاعدية المؤبدة ، هولاء النواب ، الذين ادعوا جميعهم ، انهم ترشحوا للنيابة من اجل خدمة الشعب والوطن ، لنجدهم يمارسون النهب المقنون لمال الشعب ، حتى اصبح المواطنون يكفرون بالديمقراطية التي جاءت بمثل هولاء ، ويتمنون عودة الاحكام العرفية ، التي سبقت عام 1989 .
دولة الرئيس ...
لقد اثلج صدورنا حقا ، ما سمعناه في مقابلاتكم التلفزيونية ، من توجهكم لالغاء ودمج المؤسسات المستقلة ، التي لا نعرف لمعظمها اسماءا او عددا ، وتفاجأنا بمعرفة اسماء بعضها منكم ، وسرنا ان تتهكم على بعض الاسماء ، لاننا ادركنا حينها انك ابن الشعب ، الذي رأى المآسي امامه من الولادة اللاشرعية لهذه المؤسسات ، التي اصبحت وكرا للمتنفذين ، لتوظيف بناتهم وابنائهم ، برواتب فاقت الخيال ، وبدون عمل مجدي ، وكاننا نعيش شريعة الغاب ، واصبحنا نشك اننا نعيش في وطن حقيقي .
لقد طالعتنا الاخبار اليوم ، بان مجلس الوزراء قد اقر تعديل الهيكلة ، لجميع مؤسسات الدولة ، وهذا يؤكد لنا صدق توجهكم ، ونتمنى ان تستمر وزارتكم ، فترة مناسبة ، لتحقيق هذا الانجاز الثوري .
دولة الرئيس ...
ليست الهيئات المستقلة فقط ، هي من كفرت المواطن الاردني بوطنه ، وخلقت حنقا اجتماعيا ، وهيأت لصراع طبقي في المجتمع الاردني ، بعد نشوء طبقة جديدة ، هي طبقة اصحاب الرواتب الخيالية ، والامتيازات اللاشرعية ، وخاصة في الشركات التي تعرضت للخصخصة ، فهذه الشركات التي ابرزت عشرات التساؤلات عن مبررات خصخصتها ، وميررات هذا الفرز الطبقي الجديد ، ومبررات الرواتب الخيالية التي تمنح لبعض موظفيها وليس كلهم ، لقد خلقت الخصخصة ، شرخا كبيرا ليس بين ابناء المجتمع فحسب ، بل بين الموظفين انفسهم في هذه الشركات ، التي ادارها الاجنبي ، واعتمد في ادارتها على بعض المدراء العرب ، من عديمي الضمائر والانتماء الوطني ، فمارسوا ابشع اشكال القهر والتمييز ، ضد ابناء وطنهم ، من العاملين في تلك الشركات ، بعد ان وفر لهم المستثمر الاجنبي ، كل وسائل القهر .
دولة الرئيس ...
في شركات كبرى مثل البوتاس والفوسفات ، الاف الموظفين وعشرات الالاف من العائلات ، يعتاشون من رواتبهم فيها ، وقد كانوا قبل الخصخصة ، يتقاضون رواتب مجزية وعادلة التوزيع ، اضافة الى اشهر اضافية كالثالث عشر والرابع عشر ، ومكافاة انتاج مجزية في نهاية العام ، وانظمة توفير وتامين صحي ومكافات نهاية خدمة مجزية ايضا ، وكان هولاء الموظفين موضع حسرة للموظفين الحكوميين ، الذين يحملون نفس مؤهلاتهم ، فجاءت الخصخصة ، ومنحت المدراء ثلاثة الى خمسة اضعاف راتبهم القديم ، ومنحت بعض الموظفين العاديين ضعف رواتبهم ، لكنها حرمت اخرين من الزيادة المنصفة بالراتب ، رغم خبرتهم الطويلة ، ورغم ما بذلوه من جهود منهكة ، وتعرضهم للخطر على حياتهم ، وهم بناة هذه الشركات ، وما زالوا في البوتاس يستصرخون الضمائر ، منذ اربعة اعوام ونصف ، حين عدلت الادارة الكندية من الرواتب ، والحق يقال انها ارادت انصاف الموظفين وزيادة مستوى رفاهيتم ، لكن المدراء العربان ، تلاعبوا بهيكلة الرواتب هذه ، ولم يعتمدوا اي اسس في توزيعها ، بل كانت اسس المحسوبية والشللية والاقليمية ، اسال يا دولة الرئيس كم عدد القضايا المنظورة في المحاكم ضد شركة البوتاس ، اسال اقاربك الذين يعملون في البوتاس والفوسفات ، عن حالها الان بعد الخصخصة ، واسال عن العدالة المفقودة ، اسال عن حال المتقاعدين منذ سنوات قريبة ، بمن فيهم مدراء سابقين ، اصبح تقاعده الان اقل من نصف تقاعد عامل يحمل شهادة الابتدائية ، والفارق الزمني بينهما ، سنوات لا يتجاوز عددها ، عدد اصابع اليد الواحدة .
دولة الرئيس ...
اننا نطالب دولتكم ، ان تلتفت الى هذه الشركات ، وتتدخل لاعادة هيكلتها ، رغم ثقتنا العالية ببعض من يجلس على راس الهرم فيها ، وهم من خيرة رجال الاردن ، وبعضهم حديث العهد في ذلك الموقع ، نثق بصدقه في اعادة العدالة المفقودة ، لكننا نريد تخفيض الرواتب الخيالية التي يتمتع بها المدراء وحتى الموظفين ، نريد العدالة لابناء الوطن كلهم ، وليس في شركة ما .
اسال يا دولة الرئيس عن ممارساة المدراء في الشركات المخصخصة ، واسال عن حجم الظلم والقهر الذي يعيشه مئات العاملين ، اننا نطالبكم يا دولة الرئيس ، وانت ابن الاردن البار ، والعالم الاقتصادي ، الذي احتل مواقع هامة في الدولة الاردنية منذ اكثر من اربعين عاما ، ان تعم ثورتكم ضد هذا الفساد المقنون ، ليشمل الشركات المخصخصة ، وسوف يسجل التاريخ اسمكم باحرف من نور .
اننا نعتقد يا دولة الرئيس ، انه لا يوجد مسؤول في الاردن ، يتحمل مسؤوليات اكثر جسامة من مسؤولية الوزير ، وبالتالي لا يجوز لاي موظف في القطاع العام او الهيئات المستقلة ، او الشركات المخصخصة ، ان يتقاضى راتبا اعلى من راتب الوزير ، ولا يجوز ان ننهك الضمان الاجتماعي ، ليدفع لهم رواتب تفاعدية عالية ، بعد مضاعفة رواتبهم خمس مرات ، في سنة واحدة ، ولا يجوز ان نمارس القهر ضد اغلبية مواطنينا ، العاملين في القطاع العام ، لقد استمعت مرة الى طبيب اخصائي في مستشفى حكومي ، يخبرني بمرارة كيف ان راتبه لا يتجاوز السبعمئة دينار ، وان سائقا في المستشفى قد استقال من عمله ، وعمل في احدى الشركات المخصخصة بنفس العمل ، وجاء الى الطبيب المختص ، ليبلغه ان راتبه في الشركة يعادل الالف والاربعمئة دينار ، هل لكم يا دولة الرئيس ، ان تتخيلوا حجم الاحباط ، الذي يعانيه ذلك الطبيب ، ونفس الشيء بالنسبة للمهندس والفني والعامل والموظف ، حرام ان يكون الشرخ بهذا الحجم ، بين من يحملون نفس المؤهلات ، ويؤدون نفس العمل ، انني اطالب دولتكم بالتدخل ، لاعادة الوضع في الشركات المخصخصة ، الى ما كان عليه قبل الخصخصة ، لا نريد زيادة في الراتب تفتقد للعدالة ، ونحن نفتقد الامن الوظيفي ، لا نريد لوحوش زادت الرواتب الخيالية من وحشيتهم ، فافتقدوا كل احساس بالوطنية ، فزاد القهر وزاد الظلم ، على من حرم من العدالة ، وعاش كفاف يومه براتبه الزهيد ، وفي الوقت الذي "يجلط" فيه كل يوم ، وهو يرى من هم في كفاءته ومؤهلاته ، وربما اقل منه ، يتباهون برواتبهم العالية ، فالعدالة العدالة يا دولة الرئيس ، نحن من يتوسم فيك العدالة والجرأة في الحق ، وانت رجل القرار الصعب ، لقد زرعت فينا كلماتك ، املا جديدا بالمستقبل القريب .

فراس عوده
19/11/2012