النسور في الفضائيات العربية... خطاب للخارج وعتاب للخليج
مع انطلاق شرارة الاحتجاجات الشعبية على قرار الحكومة رفع الدعم عن المشتقات النفطية، كثف رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور حضوره على شاشات الفضائيات المحلية والعربية، بدءاً بالتلفزيون الأردني، ومروراً بـ"الجزيرة والعربية وسكاي نيوز عربية"، وليس أخيراً إطلالته عبر قنوات محلية خاصة؛ لتبرير القرار المتخذ ودوافعه وسط حالة رفض شعبي تصاعدت وتيرتها لاحقاً لتعم مختلف محافظات المملكة في خمسة أيام مضت.
خطاب النسور للداخل المحلي يوم اتخاذ قرار رفع الدعم الثلاثاء الماضي، لم يخلُ من المصارحة والمكاشفة بشفافية غير معهودة من الحكومات المتعاقبة لدى حديثه عن الوضع الاقتصادي الصعب والمالي الأشد وطأة على الدولة الأردنية في ظل شح المساعدات الخليجية المقدمة للمملكة هذا العام.
غير أن مبررات رئيس الوزراء يبدو أنها لم تقنع المواطنين الذين عبروا عن رفضهم لقرار الحكومة بالاحتجاج والتظاهر في ميادين عدة من العقبة جنوباً وحتى الرمثا شمالاً، وكانت بمثابة "وقود للحراك الشعبي والشبابي الذي اتسعت رقعته؛ نتيجة غياب الإرادة السياسية لإحداث اختراق حقيقي في مسيرة الإصلاح الشامل"، وفق نشطاء سياسيين.
كما حمل ظهور النسور في فضائيات عربية تملكها دول خليجية، خطاباً للخارج بعد أن اطلع الأردنيين بالأرقام على الوضع المالي للمملكة؛ من خلال إشارته للموازنة العامة وعجزها والدين العام، لكنه في الوقت ذاته عاتب بشكل مباشر أو غير مباشر دول خليجية، كان الأردن ينتظر منها تقديم دعم مالي لخزينة الدولة، لعل وعسى يكون في هذا الإمداد إذا ما وصل طوق نجاة وسبيلاً لعدم اتخاذ قرار غير شعبي.
رئيس الوزراء خسر من رصيده الشعبي الذي كسبه في مجلس النواب السادس عشر كمعارض للحكومات المتعاقبة التي ورثها بعد مرور 23 شهراً على انطلاق الحراك الشعبي في الأردن إبان حكومة سمير الرفاعي الأولى، وتحديدا أواخر عام 2010.
هذا الخسران لم يكفِ رئيس الحكومة المأزومة أمام "هبة تشرين الشعبية" الرافضة للنهج السياسي والاقتصادي القائم في البلاد؛ للعدول عن قرار رفع الدعم الذي أكد النسور في مقابلاته مع وسائل الإعلام كافة ألا تراجع عنه، كون البديل أسوأ من ردة فعل الشارع.
ولم يتسلم الأردن أية مساعدات مالية من دول الخليج خلال العام الحالي بإستثناء وديعة بقيمة 250 مليون دولار أودعتها الكويت في البنك المركزي الأردني؛ لتنفيذ مشروعات تنموية، يقول النسور في مؤتمر صحفي عقده أمس لممثلي لوكالات الأنباء العالمية.
وقبل ذلك المؤتمر الصحفي، شهدت الخمسة أيام الماضية مع بدء الاحتجاجات الشعبية في المملكة حضورا إعلامياً لافتاً لرئيس الوزراء عبدالله النسور على الفضائيات المحلية والعربية، بدا فيها عندما خاطب الرأي العام الأردني مدافعاً عن قرار حكومته مع بعض الارتباك والخشية من تبعات تحرير أسعار المحروقات، بخلاف مقابلات أجراها مع فضائيات تمولها دول خليجية تطرق فيها إلى الوضع المالي والاقتصادي الحرج للدولة الأردنية.
وصراحته المعهودة في البرلمان من حيث النقد، كانت دافعه لتسمية الأشياء بمسمياتها دون التردد في الخوض بـ"تخلي دول خليجية عن عون الأردن مالياً العام الحالي؛ للخروج من أزمته الاقتصادية التي قادته للجوء إلى صندوق النقد الدولي لاقتراض ملياري دولار مقابل اشتراطات برفع الدعم عن سلع ومواد أساسية"، كما يرى مراقبون.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه في خضم زحمة المقابلات التلفزيونية لرئيس الوزراء بعد قرار حكومته بتحرير أسعار المحروقات الذي قابلته موجة احتجاجات شعبية عمت كافة محافظات المملكة، هل تمكن النسور من إحداث اختراق -عدا نثر التصريحات في الفضاء- لدى دول الخليج إيذاناً بالحصول على مساعدات مالية طارئة تسهم في إطفاء حرائق مشتعلة هنا وهناك؟