الأردن على أعتاب إضراب عام والحل الأمني يتصدر المشهد
لا شك في أن الأردن يقف على أعتاب احتجاجات شاملة، يمكن أن تفضي لإضراب عام يشل البلد كما حصل في بلدان «الربيع العربي»، ولا أدل على ذلك من تواري رجال الساسة خلف الأجهزة الأمنية منذ اللحظة الأولى لانطلاق شرارة الاحتجاجات، التي عمت أرجاء المملكة فور إعلان الرئيس عبد الله النسور رفع أسعار المحروقات.
واختبأ رجال الساسة ولا يكاد يسمع صوتاً بالمعنى السياسي لا من هنا أو هناك، حيث لا صوت يعلو على صوت الأجهزة الأمنية وخططها ووسائلها في مواجهة الاحتجاجات.
ويرى مراقبون أن البلد على شفير خطر إن لم يتداركه الساسة بحكمة متناهية تعود بالأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الاحتجاجات، ويستدل المراقبون بطبيعة ونوعية الشعارات التي هتف بها المحتجون في جميع أنحاء المملكة، لافتين إلى أنها هي الشعارات ذاتها التي ارتفعت في دول «الربيع العربي».
يجزم محللون أن الأزمة في الأردن سياسية بامتياز، وأن الاقتصاد كان الشرارة والمحرك للاحتقان الذي يعتمل في صدور الناس، وذلك بالعودة إلى الشعارت التي رفعت في الميادين كافة، والتي تجاوزت منذ اللحظة إصلاح النظام.
اختباء الحكومة وحتى رئيسها خلف الأجهزة الأمنية منذ بدء الاحتجاجات الغاضبة، ينبئ عن توقع أمني ورسمي لردة الفعل الشعبية التي أعقبت قرار رفع أسعار المشتقات النفطية، وإن كانت توقعاتهم لردة الفعل أقل مما يجري الآن على أرض الواقع؛ من حيث السقف والحدة والتوزع الجغرافي.
الأجهزة الأمنية لم تستخدم العنف المفرط أو حتى العنف الطبيعي، وتحلت لغاية الآن بأقصى درجات ضبط النفس باستثناء بعض الحالات الفردية هنا أو هناك، وحرصت على عدم وقوع ضحايا؛ حتى لا ينفرط العقد، وتدخل الدولة في نفق مظلم وفي ثورة حقيقية.
واتبعت الأجهزة الأمنية سياسة تفريق الاحتجاجات وعدم تجمعها في منطقة مركزية موحدة، وخصوصا في الميادين الرئيسية في عمان والمحافظات، ونهجت سياسة التخويف والترهيب، والتهديد باستخدام القوة، وأطلقت الغاز المسيل للدموع في محاولة منها لتفريق الناس من دون وقوع إصابات حقيقية تؤجج مشاعر الناس، وتشحن الأجواء أكثر.
بيد أن الاحتجاجات لم تهدأ، ولم تفلح خطة الأجهزة الأمنية التي راهنت على عامل الوقت، وأخذت الاحتجاجات تنتظم أكثر فأكثر، وأخذ المحتجون يصرون ويجمعون على شعارهم المرفوع الذي تجاوز الخطوط الحمراء والسقوف، وسط كل ذلك والساسة ما يزالون متوارين عن الأنظار، والحل الأمني يتصدر المشهد.
الغريب في الأمر أن الساسة والأمنيين يدركون تماما أن الحل الأمني لم يجد نفعاً في جميع دول «الربيع العربي» التي أُسقطت فيها الأنظمة.
ويعلمون تماما أن الأزمة في الأردن كما في باقي الدول العربية «سياسية بامتياز»، وأن الاقتصاد والأوضاع المعيشية ما هي إلا كـ»مقدح الشرر»، إذن فلماذا يتوارى الساسة عن الأنظار، ويطلقون العنان للأجهزة الأمنية لتعالج مشكلة ليست من اختصاصها؟
المحتجون الذين ملؤوا شوارع الزرقاء، والرصيفة، وعمان من دوار الداخلية، ودوار فراس، والنزهة، ووسط البلد، وأمام قصر رغدان، وأم السماق، تساءلوا جميعهم أين الساسة؟ أين الحكومة مما يجري؟ أين النظام؟ لماذا لا نرى إلا رجال الدرك والمخابرات، والبحث الجنائي؟!
الكل يعلم أن المشكلة ليست في رفع أسعار المحروقات، وإنما في النهج المتبع في حل مشاكل الاقتصاد الوطني الذي يرتكز بالأساس على جيب المواطن، ويمس دائما الطبقة الفقيرة والمتوسطة، معظم الحكومات اعتمدت النهج ذاته في أثناء قيادتها دفة البلاد.
حكومات خصخصت القطاعات الاقتصادية المنتجة على حساب الوطن والمواطن، وباعت مقدرات الوطن بثمن بخس دراهم معدودة.
وحكومات فرضت ضرائب على سلع ومواد أساسية، وأخرى كمالية مثل القهوة والاتصالات.
وحكومات فرضت ضريبة خاصة على البنزين والسولار. وحكومة النسور رفعت أسعار المشتقات النفطية، كل ذلك والمواطن البسيط الذي يمثل ما لا يقل عن 85 في المئة من سكان المملكة المتضرر الوحيد.
ولذلك خرج الناس في الشوارع يصرخون ويهتفون بشعارت لا سقف لها، تريد أن تضع حداً لهذا النهج «العبثي» المتبع في البلاد منذ تأسيس الإمارة، وليس من أجل حفنة دنانير رفعتها الحكومة على بعض المواد، بحسب الكلمات التي ألقيت هنا وهناك.
الاحتجاجات التي تعم المملكة من شمالها إلى جنوبها تدلل بشكل واضح على رفض الناس جميع الإصلاحات الشكلية التي تمت في الآونة الأخيرة، وتدلل بما لا يدع مجالا للشك على أن الناس ليسوا مع قانون الانتخابات، وأنهم يريدون إصلاحات حقيقية تجعل منهم، أي «الشعب مصدرا للسلطات».
وأخيرا، وللخروج من هذا المأزق يجب أن يلعب الساسة وليس رجال الأمن الدور الأبرز في حل المشكلة القائمة، ويجب على رجال الأمن التواري عن الأنظار وفتح المجال أمام الحكومة والأحزاب والحراكات الشعبية والشخصيات الوطنية للجلوس على طاولة الحوار؛ لوضع خارطة طريق بلا سقوف أو محددات، تجنب البلاد الدخول في ثورة حقيقية يخسر فيها الجميع.