اخبار البلد - عرين الزعبي
نعيش الحاضر ونمارس روتين حياتنا بشكله الطبيعي ونملك آمالا وطموحات وتطلعات نحو المستقبل، إلا أن قلوبنا لا زالت معلقة بالماضي وذكرياته، فلكلٍ منا ماض ٍ يعني له شيء خاص، ولكلٍ منا ذاكرة لا يمكن تجاوزها مهما تقدم بنا الزمن، نحتفظ فيها بآلامنا وأوجاعنا أفراحنا وضحكاتنا التي تمدنا بطاقة لنكابر على مرار عيشنا، فكيف نتجاوز ذاكرة كانت شاهدة على كل تفصيل عشناها وكل لحظة مررنا بها، نعيش الحاضر بأجسادنا وبداخل كل منا «صرخة وجع» تنادي الماضي بقلب ٍ نادم، وغصة بالروح معلقة بها أمنيات تعيش على أمل رجوع الزمن، تعلم أن ذاك معجزة لكنها رغم المحال والمستحيل تبقى تنتظر، علها «إن عاد الزمن» تستطيع تغيير شيء ندمت على فعله، أو لربما هناك ما ترغب بفعله..
حين لا ينفع الندم
ويتمنى الأربعيني محمود غسان رجوع الزمن كي يغير من نفسه ووضعه الحالي، فبحسب ماروى أتيحت أمامه فرص كثيرة للعمل لكنه كان يرفضها بحجة أنه سيجد الأفضل، ويتابع: أكثر ما أندم عليه حقاً هو أني لم أكمل دراستي الجامعية، كنت وقتها شابا مدللا وطائشا لا أكترث بشيء، ولم أقدر قيمة العلم إلا بعد فوات الأوان.. وأعلم ان رجوع الزمن هو أمر مستحيل لكننا لا نملك إلا الأحلام والأماني.. ويضيف: لو يرجع الزمن لكنت قلبت حياتي رأساً على عقب.
«ندمت حين لا ينفع الندم».. بهذه العبارة يبدأ الثلاثيني مروان عبدالكريم –موظف في إحدى البنوك- رواية حكايته مع الماضي الذي يعيش الآن على ذكراه : أحببت فتاة أثناء المرحلة الجامعية، كانت مثالية ورائعة بكل شيء، قدمت لي الحب والحنان، وكانت جميلة الروح،لبقة ومثقفة، إلا أن ذلك لم يزدني إلا أنانية.. ويعترف : لقد كنت قاسياً معها لدرجة أن غيرتي أصبحت (مرضية)، وتصرفاتي لا تطاق، وهذا جعلها ترحل دون كلمة وداع واحدة، اختفت فجأة دون أن تترك أثرا.
لم أحس بالبداية بلوعة غيابها، إلا أنني الآن أعيش بعذاب بعد أن راجعت نفسي وحاسبتها على كل صغيرة وكبيرة.
ولو يعود بنا الزمن.. لكنت غيرت من نفسي كثيراً كي لا أخسر تلك المثالية.
ذكرى أب
وللؤي راشد حكاية موجعة مع الماضي، وأكثر ما يتمناه هو أن يرجع الزمن ليستطيع ولو قليلاً أن يدخل الفرحة لقلب والده الذي فارق الحياة قبل عام ونصف، يتحدث: كنت أبعد ما يكون عن تحمل المسؤولية وهذا ما كان يزعج والدي مني ويغضبه، لم أكن على وفاق معه، لكن بعد وفاته تمنيت لو أنني كنت ذاك الابن الذي يفخر به والده، ويتابع: رحل والدي وترك لي ذكراه الطيبة بين الناس، انا الآن كما يريد أبي، وجميع الناس تشهد بأني أصبحت أتحمل المسؤولية، لكن لست سعيداً بما يقولون، لأن سعادتي لا تكتمل إلا إذا رأيت ابتسامة والدي وهو يراني رجل كما تمناني دائماً.
ومن وجهة نظر ربة المنزل حنان منصور أن الزمن لا يمكن أن يرجع، وأن الذي مضى قد مضى ولا ينفع الندم ولا البكاء على الأطلال، وترى أن كل شخص معلق بحبال الماضي عليه أن يعيد ترتيب حياته بما يتناسب مع وضعه الحالي، وتنصح حنان النادمين على الماضي والذين يتمنون رجوع الزمن أن يهتموا بالمستقبل، لأننا حسب ما تقول لا نستطيع تغيير شيء حدث بالماضي وتصف ذلك «بالمستحيل»، لكننا نستطيع العمل لمستقبلنا ونؤسس حياة جديدة فحاضرنا اليوم سيصبح ماض ٍ غداً.
عناد
وتعبر المهندسة بيان فلاح عن أحلامها وطموحاتها التي بعثرها الماضي، وأن الماضي هو غصة حقيقية بنفسها، تتمنى رجوعه كي تغير ما يمكن تغييره، وتروي : كان لي أحلام وطموحات بالماضي تتمثل بدخولي كلية الصحافة والاعلام وأن أصبح فيما بعد صحفية أخدم الوطن وأقدم الحقيقة للناس، لكن أمي كانت تصر علي بأن أدرس الهندسة، وعند تقديم طلبات الالتحاق بالجامعة وقفت على مفترق طرق، أمي ورغبتها الملحة بدراستي الهندسة التي لا رغبة لي فيها، وبين آحلامي وطموحاتي بمجال الصحافة، لم تطل حيرتي أمام إصرار أمي وإلحاحها، فاخترت تلبية رغبة أمي متجاهلة طموحي الذي عاش معي طفولتي.
بدايةً ظننت أن دخولي الهندسة سينسيني كم حلمت بأن أكون إعلامية متميزة، لكنه على العكس تماماً، أمضيت سنواتي الخمس بدراسة الهندسة وانا أتحسر على سوء اختياري وفشلي بهذا المجال.
وحدث أني بكيت كثيراً، وتمنيت أن يعود الزمن لأدخل كلية الإعلام وأتفوق فيها وأصبح كما حلمت منذ الطفولة، لكن كل ذلك مستحيل.. لأن الزمن لن يعود.
وتتحدث سناء خالد «معلمة بإحدى المدارس الخاصة» عن تجربة طلاقها مشيرة ً إلى أن أسباب الطلاق تافهه ويمكن تجاوزها إلا أن عنادها وحساسية زوجها هما الأسباب الحقيقية للطلاق، وتقول : ندمت كثيراً على عنادي وتذمري الدائميين ، كان الأحرى بي أن أداري زوجي وأتماشى مع طبيعته الحساسة،
أتمنى أن يرجع الزمن لأغير من نفسي كثيراً وأصبح تلك الزوجة المتفهمة لأوضاع زوجها، لكنني الآن خسرت كل شيء.
تتابع: لم أكن أتصور أن العناد سيودي بي إلى هذا الحال، فأنا لا استطيع تحمل نظرة الناس والمجتمع لي بعد أن أصبحت «مطلقة»، وتنهي سناء حديثها بعبارة
«ليت الزمن يعود...لما كان هذا الحال حالي».