مأزومون كلنا الآن، سواء كنا أصحاب قرار أو مواطنين، ندرك حقا عمق الأزمة التي يعيشها الوطن، وندرك أن اتخاذ قرار كالذي اتخذته الحكومة بالأمس أكثر مشقة على من يتأثرون به، فلا يوجد حكومة تسعد بجر البلاد والعباد إلى منعطف تاريخي، يكتنفه ما يكتنفه من مخاطر على حاضر ومستقبل الجميع، بلا استثناء، وندرك أن القرار الأخير تم ترحيله منذ سنوات طويلة، وكان يجب اتخاذه منذ وقت طويل، وندرك أنه يعالج ولو بشكل محدود تشوهات اقتصادية عانينا منها منذ سنوات، وندرك أيضا، أن الحكومة درست كل خياراتها، فلم تجد بدا مما ليس منه بد... ولكن!
أولا/ توقيت القرار جاء في أسوأ طقس، فنحن داخلون للتو في شتاء قارص، نعاني فيه من مشكلة موجودة أصلا في توفير الدفء، ولدينا مئات القصص عن مواطنين لجأوا لأساليب «مبتكرة» في توفير جو معقول من الدفء لعائلاتهم، أنا مثلا أسكن في عمارة تضم 16 شقة، كلها فيها تدفئة مركزية، في الشتاء الماضي لم يشعل التدفئة إلا شقتان، أنا لست منهما، بسبب غلاء الديزل، وكان اعتمادنا كله على الكاز والغاز في التدفئة، هذا كله قبل الارتفاع الأخير في الأسعار، فكيف الآن؟.
ثانيا/ ليس صحيحا أن ما قيل عن مبلغ الدعم يمكن أن يسهم في ولو بجزء بسيط من حل المشكلة، مبلغ الدعم لن يزيد عن 19 قرشا في اليوم لكل مواطن من مستحقي الدعم، فيما ارتفاع أسعار الطاقة بمجملها سيرفع كل الأسعار بلا استثناء، فأنى لهذا المبلغ الزهيد الذي لا يغطي ثمن ساندويشة فلافل أن يحل المشكلة؟.
ثالثا/ زج الإخوان المسلمين في المشهد، وتحذيرهم من «استغلال» الأزمة فيه شيء من المبالغة، فرفع الأسعار بهذه النسبة الكارثية يستفز الحجر والشجر، والمواطن العادي ليس بحاجة لتحريضه على الغضب والنقمة، فهو متضرر بشكل مباشر، حتى بدون تحريض من أحد، ناهيك عن ان الإخوان جزء من المتضررين، وليسوا أثرياء بما يكفي حتى يبقوا متفرجين على المشهد، فما بالك إذا كانوا أصلا جزءا من الحراك الشعبي، المطالب بإصلاحات جذرية قبل أي رفع للأسعار؟.
رابعا/ نسبة الرفع وقعت كالصاعقة على رؤوس الجميع، بمن فيهم بعض المسؤولين الكبار، والكل يعلم أنه ليس بوسع المواطن تحمل هذه الزيادة دفعة واحدة، وكأني بصاحب القرار لم يحسب حساب حجم المفاجأة التي تسببها مثل هذه النقلة، وربما كانت ردة الفعل ستصبح أقل سخونة لو تم التدرج بالرفع!
خامسا/ كثير من العقلاء والحريصين على مصلحة البلد يعتقدون أن الوقت لم يفت بعد لامتصاص غضب الناس، وتجميد القرارات الأخيرة للحكومة، والبحث عن بدائل أكثر واقعية، وأقل كلفة وطنية، وبغير هذا فنحن مقبلون على شتاء ساخن جدا، الله وحده يعلم إلى أين سيمضي بالبلد!.