معركة البوتاس ... معركة الاردن

معركة البوتاس ... معركة الاردن

في هذا الوقت العصيب ، الذي يجتاز فيه الاردن ، ظروفا اقتصادية حرجة ، لا نود هنا التطرق لاسبابها ، بل التمعن بها كامر واقع ، يلقي بثقله على الوطن ومستقبله ، وفي الوقت الذي يدفع فيه الاردن ، ثمن مواقفه القومية ، حين يرفض الدور المرسوم له من قبل الاعداء وبعض الاشقاء ، للتدخل في الشأن السوري ، وفي الوقت الذي يرفض فيه الاشقاء المتخمين ، مد يد العون للاردن ، الذي كان في مرحلة الحرب مع اسرائيل ، خط الدفاع الاول عن كياناتهم ، وفي مرحلة اللاحرب والتامر ، بقي جدار صمودهم المنيع ، والواقي لهم من امتداد موجة التامر ، فهم على ما يبدو ، غير موقنين ان الدور القادم عليهم ، ان سقطت بلاد الشام ، وفي الوقت الذي يحثنا البنك الدولي ، على المزيد من شد الاحزمة على البطون ، لا نجد من الاشقاء والاصدقاء ، من يقف معنا ويدعمنا ، ولو بمنحة من الاحزمة الجلدية الاصلية ، لاستخدامها في شد البطون .

لم يكتفي الاعداء والاشقاء ، بالوقوف متفرجين علينا ، ينتظرون استسلامنا ، بل استمروا بممارسة كافة الضغوط ، للتعجيل بانهيارنا واطلاق صافرة استسلامنا لمشيئتهم ، كي نرهن ارادتنا السياسية لهم ، ونسير في ركب التامر ، ويا ليت السير في هذا الركب ، يحمينا من عوادي قادم الايام ، فزادوا من ايلامنا في موضع وجعنا الاكبر ، الا وهو الوضع الاقتصادي ، وبدأوا يحاربون صروحنا الاقتصادية الكبرى ، ومنها صرحنا الشامخ ، شركة البوتاس العربية ، التي سجلت لاقتصادنا الوطني ، على مدار عشرات السنين ، رافدا رئيسيا لخزينة الدولة ، ووفرت مستوى حياة لائق لالاف العائلات الاردنية ، وساهمت في انعاش منطقة الاغوار الجنوبية ، لتصبح منطقة جذب سكاني ، بعد ان كانت منطقة طاردة ، وساهمت ارباح البوتاس ، في دعم المجتمع المحلي المحيط ، في الكرك والجنوب ، وارجاء واسعة من اردننا الغالي ، وخاصة في السنوات الاخيرة ، التي سجلت فيها الشركة ، نجاحات باهرة ، ان من حيث ارقام الانتاج العالية ، او الاسعار المرتفعة ، وقد حققت للوطن ارباحا غير مسبوقة ، جعلت من شركة البوتاس ، قصة نجاح وصمود اردني ، وهي التي يرتبط اسمها وموقعها ، بقصة اخرى من الصمود والتضحية والتحدي ، عمدت بالدم الطاهر ، الذي روى ارض البوتاس ، ابان المواجهة مع اسرائيل ، اضافة الى الثمن الاقتصادي الباهظ ، الذي دفعناه ، حين تعطل مشروع انشاء مصانع الشركة عام 1956 ، بسبب هذه المواجهة ، ولم يكتب له ان ينفذ ، الا في منتصف السبعينات من القرن الفائت .

لقد بدأت اسرائيل ، شريكتنا في انتاج البوتاس من البحر الميت ، في الاستحواذ على الاسواق العالمية الرئيسية ، المستوردة للبوتاس الاردني ، ومحاولة حرمان الاردن ، من تسويق انتاجه ، وقد بدت ملامح هذه المؤامرة تظهر الى الوجود ، منذ شهر ايلول الماضي ، حين توقفت الهند عن استيراد البوتاس الاردني ، وبدأ البوتاس يتراكم في مستودعات الشركة وساحات المصانع ، بعد النجاحات الباهرة التي حققتها الشركة ، وبجهود عمالها الاشاوس ، في الوصول بالانتاج الى حده الاقصى حتى ذلك التاريخ .

انه لمن الطبيعي ان تتحرك ادارة شركة البوتاس العربية ، لمواجهة هذا الموقف الصعب ، الذي القى بثقله على كاهل رئيس مجلس الادارة الجديد ، المهندس جمال الصرايرة ، والذي لم يمضي على توليه لهذا المنصب الا اشهرا معدودة ، فبدأت معركة استعادة الاسواق السليبة ، وجاءت الفرصة المناسبة ، حين تلقت الشركة دعوة من اتحاد الاسمدة الهندي ، للمشاركة في اجتماعه السنوي ، الذي سيعقد في مدينة اجرا الهندية ، وبحضور الف مشارك ، من كافة قطاعات الاسمدة الهندية ، وعدد كبير من الشركات العالمية ، المهتمة بالسوق الهندي ، الذي يعتبر من اكبر الاسواق المستوردة للاسمدة في العالم ، وقدبلغت حصة البوتاس الاردني منها 20% ، وقيمة مستوردات الهند من البوتاس سنويا حوالي 300 مليون دينار .

وعلى هامش هذا المؤتمر ، بادرت ادارة شركة البوتاس العربية ، الى عقد جلسة مجلس الادارة في الهند ، ليكون ذلك فرصة للقاء المشترين ، وممثلي الحكومة الهندية ، لتعزيز العلاقات التجارية مع الهند ولتعزيز سوق البوتاس الاردني هناك ، وقد لقيت هذه المبادرة ، ترحيب امين عام اتحاد الاسمدة الهندي ، وهي مبادرة ستساهم بلا شك ، في تعزيز مكانة شركة البوتاس الاردنية في السوق الهندي .

فماذا تريد الاقلام المغرضة ، والتي انطلقت في الايام الماضية ، تنفث سمومها ضد ادارة شركة البوتاس ، ورئيس مجلس ادارتها ، وتتباكى على هدر الاموال في رحلة الهند ، هل يعلم من نفث هذه السموم ، ان كلفة هذه الزيارة وجلسة المجلس ، مع عشاء سيقام في منزل السفير الاردني في الهند ، لممثلي الاسواق الهندية ، لن تتجاوز التكلفة لكل ذلك السبعين الف دينار ، دفعت مناصفة بين شركة البوتاس وشركة الفوسفات ، ماذا يساوي هذا المبلغ ، امام سوق عالمي كبير ، يدر على الاردن 300 مليون دينار سنويا ، هي قيمة مبيعات البوتاس الاردني الى الهند ، اضف الى ذلك ما سينعكس بنفس الايجابية ، على سوق الفوسفات الاردني ، ومن اين اتى احد الكتاب الهواة ، برقم المليون دينار ، كتكلفة لهذه النشاطات ؟

اتقوا الله في اوطانكم ، يا من تنفثون السموم والاحقاد في وجه الوطن وابنائه المخلصين، هل بلغ بكم داء عمى الالوان ، حد عدم القدرة على التمييز بين الفساد ، وبين جهود تعزيز اقتصاد الوطن ، هل حرية او داء الحديث عن الفساد في الاردن ، اصبح اسهل الطرق لاغتيال الشخصيات الوطنية المخلصة ، هل تعلمون يا اصحاب الاقلام الموبوءة ، انكم تساهمون في التامر على الاردن ، وفي دعم اعدائه والمتامرين عليه ، الا يكفي اننا حرمنا من عون الاشقاء ، والخطر يتهددنا في وجودنا ، هل هذه طريقتكم لدعم الاقتصاد الوطني ، في ظل المحنة التي يمر بها ، كيف للاردن ان يصمد ويقاوم اعداء الخارج وجحود الاشقاء ، وابنائه في الداخل يتكالبون عليه ؟ 

لماذا تفتح كل هذه الجبهات ضد الاردن ، واخطرها الجبهات الداخلية ، في الوقت الذي يفتح بعض ابناءه النار على كل خطوة يخطوها المخلصون ، تحت ستار من دخان الحرب على الفساد ، تلك الحرب التي اصبحت تبريرا لكل الموبقات ؟

الا يكفينا بالداخل ، ما يقوم به الاخوان المسلمون ، من تشكيك بكل الخطوات الديمقراطية التي سار عليها الاردن ، ويقاطعون لوحدهم الانتخابات البرلمانية القادمة ،، في محاولة يائسة لافشالها ، والاساءة الى صورة الاردن الديمقراطية ، بعد ان فشلوا في زعزعة صموده ، وجره الى موقع التامر على الاشقاء ، وبعد ان كشفهم شعبنا ، وادرك نواياهم ، حين جعلوا من مطلب الاصلاح وسيلة للهيمنة على مقدرات البلد ، وتسليمها لحلفائهم الجدد ، اعداء الامس .

ماهر الموسى