أول شتوة


مع أول شتوة ، تصبح الشمس أكثر خجلا ، والغيوم أكثر فحولة ، وتصدر المزاريب مع وقع المطر لحنا كلاسيكيا فريدا ، وتصبح العصافير حبيسة الأعشاش ، ثمة عصافير صغيرة هذا شتاؤها الأول ، ترتمي على اجنحتها قطرات المطر ، فتنتفض حينا بخوف وحينا بغرابة .

مع أول شتوة ... يصبح النهار أكثر رومنسية ، هناك على ذلك الرصيف يحتضن الشاب فتاته ، فينتشر الحب في الأورقة العطشى والأوردة ، تدعو بينها وبين نفسها " يا الله لا تقطع المطر " .

مع أول شتوة ... يتراكض البسطاء ململمين بسطاتهم وعرباتهم رغم كسل تجارتهم وسلحفاة رزقهم ، ثمة جوارب وقعت فتوسخت ... ولعبة "قرد طبال" تكسرت ، يردد البسطاء من عمق أوجاعهم "يالله لك الحمد على نعمة المطر" .

مع أول شتوة .... يفتح الأطفال أفواهم نحو السماء .. ليشربوا المطر .. كما تفتح الأرض قلوبها فتفوح رائحة الأرض والتراب الممزوج بالمطر .

مع أول شتوة ... تخرج أكياس الملابس الشتوية من مخبأها ، وتصبح "الصوبة" في كامل أناقتها ، ونرسم على الشبابيك .. فوق الضباب ... أحلامنا أفراحنا أحزاننا كلها على شكل " قلب حب " .

مع أول شتوة ... تصبح الأشجار أجمل والبنايات أنظف ... والشوارع أحلى .

مع أول شتوة ... أعود مسرعا إلى البيت ، أرتدي بيجامتي الشتوية ، أرفع السحاب إلى آخر مدى ، أجلس خلف النافذة لأطالع المطر ، وكلما سهوت ... كلما غفوت ... أسأل سؤالي اليتيم .... " لسه بتشتي ؟!

مع أول شتوة ... يأخذني شوقي للدفء معه فأتدثر بأقرب لحاف ... انكمش من لسعة برد عابرة ... أضع رأسي على وسادتي الخالية وأعد قطرات المطر المتساقطة كأزيز رصاص .

أرفع أكفي للسماء وأقول :

يا مطر ..كما غسلت الشوارع والبنايات والشجر .... اغسل قلوبا وأرواحا ملأها الضجر .

المحامي خلدون محمد الرواشدة
Khaldon00f@yahoo.com