الثقة في الخطاب الاقتصادي
اخبار البلد
الاعتراضات الشعبية على رفع الدعم ليس بسبب عدم الاقتناع بعد وجود مشكلة اقتصادية حادة تمر فيها البلاد ولا بد من اتخاذ اجراءات سريعة لحماية الخزينة من التعثر والحد من العجز والمديونية ، انما ياتي بسبب عدم الثقة بقرارات الحكومات السابقة في معالجة الازمة الاقتصادية .
قد يكون هناك عذر للمواطن بان لا يثق بالاجراءات الاقتصادية في معالجة الازمة ، وهو محق في كثير من اعتقاداته بهذا الجانب .
فجميع الحكومات السابقة رفعت اسعار المحروقات وخففت الدعم المقدم للسلع والخدمات ، والنتيجة النهائية التي حصل عليها المواطن هي زيادة في الاسعار وزيادة في العجز والدين والانفاق ، فكيف ستبرر الحكومة خطابها في الاصلاح الاقتصادي وتزيل التراكمات السلبية المتكونة في ذهن المواطنين عن نتائج الرفع ؟
الحكومة في وضع لا تحسد عليه ، فالتحديات تعصف بها من كل جانب ، فالاضطرابات الاقليمية وتراجع المساعدات الخارجية للخزينة لا يساعدها على توفير اجواء اقتصادية مناسبة لزيادة دخلها من الاستثمار والسياحة.
من جهة اخرى فالحراك الشعبي واستمرار الاعتصامات والاحتجاجات لا يساعدها على ضبط الانفاق ، ويزيد من الاعباء المالية عليها بشكل يؤدي الى تنامي العجز ومن ثم المديونية .
الحكومة مطالبة اليوم بخطاب اقتصادي جديد يعتمد على المكاشفة والصراحة ، والرئيس بشخصيته قادر على احداث الفرق في هذا الموضوع ، فكشف ارقام الدعم الحقيقية وتبيان خطوات الحل الشمولي للازمة وعدم الاعتماد فقط على الرفع يساهم في زيادة تحمل المسؤولية من مؤسسات اكبر في المجتمع غير الحكومة .
الحكومة تريد رفع الدعم عن المحروقات وتدفع دعم نقدي لمستحقيه من اجل ضبط العجز ، وهنا فرصة امام الحكومة ان تبدأ بنفسها في ضبط العجز من خلال مشروع قانون موازنة 2013 الذي شارف على الانتهاء .
المطلوب في هذا الشان ان تتبنى الحكومة موازنة تقشفية علنية كالتي نراها في الدول التي تعاني من ازمات حقيقية في اقتصادياتها ، وبهذا الخصوص ، فان هناك بنود كثيرة في الموازنة العامة يجب ان تغلق ويعاد النظر في تبويبها من جديد وفق اسسس علمية وواقعية صحيحة ابرزها بند النفقات الراسمالية التي من المفترض ان تبنى بشفافية تعتمد على مخصصات التمويل المتوفرة من صندوق التمويل الخليجي السنوي بقيمة مليار او من بعض المانحين الاخرين ، وان لا يضاف اية مشاريع تمول من ايرادات محلية .
الحكومة مطالبة اليوم اكثر من ذي قبل بدمج حقيقي ونهائي للمؤسسات المستقلة التي ينظر المواطنون اليها على اعتبار انها احد مظاهر البذخ وسوء الادارة المالية في الدولة .
مطلوب ان تتحول عمليات الدعم التي يتلقاها اكثر من مليوني مقيم على اراضي المملكة والتي تتجاوز قيمتها 750 مليون دينار ان تتحول فعليا الى برامج تنمية حقيقية بواسطة صندوق تنمية المحافظات ودعم القطاع الخاص المتعثر شريطة التزامه باستراتيجية التشغيل الوطني .
المواطن بحاجة لمشاهدات حية وفعلية وواقعية لسلوكيات حكومية انفاقية مدروسة تدار باسلوب رشيد حريص على المواطن وأمنه المعيشي ، عندما يرى المواطن ان الحكومة تعالج مشاكلها اولا بشكل جديد حينها سيساهم هو نفسه بحلول ، ولن تكون هناك مشكلة في الدعم والاسعار لانه سيتاكد ان الحكومة ستبذل اقصى جهودها في الرقابة على الاسواق وتعويضه من جراء رفع الدعم وسيساهم ايضا بتغيير انماط كثير من انفاقه اليومي غير المبرر .