نظرية الادوار المعكوسة



تم الحديث مؤخراً في الأوساط الإعلامية والأكاديمية عن نظرية جديدة في العلوم السياسية وضعها الباحث والمحلل السياسي الأردني عماد عبدالله عياصرة تدعى نظرية الأدوار المعكوسة (Theory of reversed roles)، والتي اعتبرها نظرية مكملة لنظرية صنع القرار الجماعي.
تستخدم الأدوار المعكوسة لمواجهة الأوضاع الجديدة الحاسمة مثل قرارات الحرب او القرارات الاقتصادية الصعبة حين تتوقع الحكومة معارضة شديدة تجاه موقفها في قضايا من هذا النوع، لذا تقوم الحكومة أو المجموعة السياسية في السلطة بأخذ موقف غير متوقع منها تجاه تلك القضايا، عندها فإن خصومها السياسيين الكلاسيكيين سيكونون على الأرجح أمام خيارين: إما أن يكونوا غير معارضين لهذا الموقف عينه كما يتوقع منهم لأن موقف الحكومة يتماشى مع أفكارهم. أو أنهم يعارضون موقف الحكومة وإن تماشى مع أفكارهم من أجل الإبقاء على دورهم كمعارضة.
في مثل هذه الحالة يكون كلا الطرفين قد عكس دوره السياسي، واذا ارادت الحكومة تغير موقفها مرة أخرى بطريقة مباشرة او عن طريق قنواتها الفرعية لجعله أكثر تماشياً مع وجهة نظرها الكلاسيكية، فإنها سوف تواجه معارضة أقل من خصومها لأن الحكومة ستكون قد امتصت وخففت من زخم المعارضة الأولية لهذا الموقف، وهذا يعطي القرار مزيداً من القوة وسيؤثر بشكل إيجابي على التوافق بين المجموعات السياسية. وغالبا ما تحقق الحكومة مكاسب من كلا الموقفين الاولي والنهائي.
مثال:
إذا كانت حكومة ما تواجه ظروفاً اقتصادية صعبة، وعليها اتخاذ قرارات صعبة بفرض ضرائب جديدة مثلاً، ويكون هذا متوقع منها، في الوقت الذي تتوقع فيه مواجهة معارضة شديدة، فإنها تعلن عن عدم رغبتها بفرض ضرائب جديدة، وتفعل الحكومة قنواتها الفرعية لتبين أن عدم فرض الضرائب سوف يضر بالاقتصاد. عندها اما أن توافق المعارضة على هذا القرار مع علمها بعدم صوابه أو على الأرجح أن تعارضه، وبهذا تبدو الحكومة وكأنها تتعرض لضغط ضمني من أجل اتخاذ القرار وعليه تعمد لاحقاً لاتخاذه وكأنها ترضخ لضغط المعارضة. وهذا يضفي على القرار مسؤولية جماعية.
مثال عملي على النظرية:
في تركيا عام 2003 لم يكن يرغب حزب العدالة والتنمية الإسلامي -الفائز حديثاً في الانتخابات- بالانخراط في الحرب ضد العراق، كما أنه بنفس الوقت يرغب في الحصول على دعم خارجي لتقوية نفسه وإضعاف خصومه الداخليين. لذا فقد عمد الحزب إلى دعم سياسة الولايات المتحدة ضد العراق وبذلك يكون قد عكس وجهة نظره الكلاسيكية التي لا تتماشى مع سياسات الولايات المتحدة. وقام خصوم الحزب من العلمانيين والجيش التركي بعكس موقفهم إلى الحد الذي عارضوا فيه أفكارهم التي غالباً ما تتماشى مع السياسات الغربية وقاموا بمعارضة الحرب على العراق بشدة من أجل الإبقاء على دورهم كمعارضة لتحقيق مزيد من الضغط على الحزب الحاكم.
إن هذا أدى إلى حالة تسمى استقطاب الأدوار المعكوسة، بحيث أن كلا الطرفين لعب دوراً معاكساً لوجة نظره الكلاسيكية، وهنا استفاد حزب العدالة والتنمية ذا الميول الإسلامية من هذه الحالة عندما عاد إلى وجهة نظره الكلاسيكية تجاه الموقف من الحرب، وقام من خلال البرلمان التركي –المكون في غالبيته من حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الشعب الجمهوري المعارض- بإفشال التصويت على مذكرة نشر قوات اجنبية وارسال قوات تركية للخارج. وبهذا يكون قد تجنب الحرب وبنفس الوقت امتص زخم المعارضة. وقد تبين لاحقاً أن هذا ما كان يريده الحزب الإسلامي، وأن دعمه للولايات المتحدة ما كان إلا ليحسم المعركة السياسية الداخلية مع الجيش التركي والعلمانيين لصالحه.
في المحصلة أدى هذا المشهد إلى خلق جو ايجابي بين المجموعات السياسية المختلفة وأفراد الشعب في تركيا لأنها ظهرت متوافقة وظهر قرار عدم خوض الحرب كقرار جماعي اتخذته جميع الأطياف.
حالة الأدوار المعكوسة تتكرر في 2012 في تركيا تجاه الموقف من الأزمة السورية واحتمال خوض حرب مع النظام السوري على أثر التوترات المستمرة. ففي الوقت الذي يدعم فيه حزب العدالة والتنمية المخطط الغربي تجاه سوريا، فإن المعارضة تعارض بكل عنف سياسة الحكومة التركية فيما يخص الأزمة السورية.