"عباءة الخال" وعادات أخرى في طريقها للزوال

عمان-  "عباءة الخال"، و"ابن العم بنزل بنت العم عن الفرس".. وغيرها من العادات والتقاليد التي كان لها حضورها في فترة من الزمن، باتت اليوم، وفق مختصين، في طريقها إلى "التلاشي والزوال بحكم "انتشار القيم الفردية من خلال التحضر والمدنية، فضلا عن "ضعف العلاقات الاجتماعية نفسها".
وفي الوقت الذي لم يعد يتبع فيه كثيرون مثل هذه العادات في الزواج، إلا أنها حاضرة لدى البعض وإن كانت شكلية؛ حيث يقول السبعيني محمد العناسوة "عباءة الخال عادة قديمة تقديرا للخال وهيبة للفتاة"، مبينا "لا توجد من وراء تلك العادة أي منفعة مادية وإنها أمر شكلي فقط".
ويشير العناسوة إلى أنه عند طلب عريس إحدى بنات أخواته القدوم إليه لاستئذانه بالزواج وسؤاله عن طلباته، فإنه يكتفي بالمباركة لهما والتوصية في الحفاظ عليها، وينتهي الأمر بشرب فنجان من القهوة.
في حين يبين الستيني حسن علي، أن مثل هذه العادات باتت أمورا شكلية بعض الشيء وأن الشباب أصبحوا أكثر انفتاحا من قبل. ويقول "عندما تقدم شاب لخطبة ابنتي استشرت أعمامها في ذلك"، مبينا أنه عند قدوم أي شخص للخطبة، يذكر ذلك أمام إخوته وأولاد إخوته بالتلميح وليس بشكل مباشر "كجس نبض إن كان أحد منهم يرغب بها".
ويقول علي "عباءة الخال عُرف مايزال موجودا ونحرص على المحافظة عليه"، لافتا إلى أن تلك العادات تميز الزواج وتجعل له رونقا خاصا، كما تؤكد قوة العلاقة بين الخال وبنات أخته.
خبير التراث نايف النوايسة، يشير إلى أن من العادات الجميلة في المجتمع الأردني، والتي بدأت "تنقرض إلى حد ما"؛ عباءة الخال وما يتبعها من دفع مبلغ من المال "تسعة الخال"، ولا يكون المبلغ محددا وإنما حسب الوضع المادي للخال.
ويقوم الخال، وفق النوايسة، بإخراج العروس من بيت أهلها، وإلباسها العباءة عند خروجها من منزل والدها ويضع مبلغا من المال في يد العروس ليثبت لأهل العريس كرمه، ولكن بعد أن يقدموا له العباءة.
ويشير النوايسة إلى أن العباءة في القديم كانت توضع على العروس عند خروجها من منزل والدها "تكريما لها وتشريفا لها أمام أهل زوجها".
اختصاصي علم الاجتماع الأستاذ المشارك في جامعة مؤتة، الدكتور حسين محادين، يشير إلى أن الناس يتشبثون ببعض العادات المرتبطة بالزواج لأنها "كانت تؤدي وظيفة في حينها"؛ إذ إن "قلة تواجد السيولة النقدية قد أعطت لهذا السلوك فرصة لأن يؤدي وظيفة ذات مغزى اقتصادي واجتماعي"، إلى جانب "العلاقات الوجاهية التي ساعدت على بقاء مثل هذا السلوك".
بيد أن الاستقلال الاقتصادي، وفق محادين، ومنسوب التعزيز الذي كان مهما للنقد "النقوط، عباءة الخال" وانتشار القيم الفردية من خلال التحضر والمدنية، كلها أمور عملت على "إضعاف" مثل هذه السلوكات إلى جانب "ضعف العلاقات الاجتماعية نفسها".
ويضيف محادين أن القيم الفردية والزواج الخارجي وارتفاع تكاليف الحياة أمور قد أسهمت جميعها في "إضعاف" مثل هذه الحالات، مبينا أن المبرر لاستمرار هذه الحالات هو "أهمية تعزيز الجانب المادي في المجتمع ذي الثقافة الرقمية".
ويشير إلى أنه كلما شعر الناس بأن عادة ما قادرة على إشباع متطلب أو تقديم خدمة لممثليها تعاقبتها عبر الأجيال في الوقت الذي تضعف فيه أهمية هذه العادة التي تبدأ بالتلاشي "لأنها تفقد دلالاتها وقوتها الإلزامية".
خمسة وعشرون عاما قضتها الأربعينية هدى مفلح، رافضة الزواج من أي شخص يتقدم لها، نزولا لحكم الأعراف والتقاليد التي تعطي لابن العم الحق في منع زواج ابنة عمه إن كان راغبا فيها، وإن لم ترغبه.
وتقول "في كل مرة كان يتقدم لي شخص، يقف ابن عمي في وجهي ويرفض هذا الزواج"، لافتة إلى أنها فضلت البقاء من دون زواج على أن ترتبط بابن عمها لعدم رغبتها بالزواج منه، وفق قولها.
وتستهجن مفلح تلك التقاليد التي تجعل مصير الفتاة بيد ابن عمها "يوقف حالها"، إن أرادها، وييسره إن لم يرغب بها، مبينة أن قرار عدم الزواج جاء تأكيدا لرفضها على أن تكون بمثابة "بضاعة يجب أن تعرض في البداية على ابن عمها".
يقول النوايسة "إنه في حال تزوجت الفتاة من غير ابن عمها، فمن حق ابن عمها، وفق الأعراف والتقاليد، أن يعترض "يتبدى" على زواجها "ابن العم ينزل ابنة عمه عن ظهر الفرس"، والفرس يقصد بها الركوبة، حيث كانت العروس تزف في ذلك الوقت على ظهر الفرس".
ويلفت النوايسة إلى أن ابن العم قد يرضى بمبلغ من المال على شكل عباءة تقدم له أو وعد لتنفيذ طلب معين، فيتنازل حينها عن ابنة عمه، منوها إلى أن هذه العادات بدأت "بالتلاشي" مع انتشار التعليم، إلا أن بعضها "ما يزال عالقا في أذهان الناس إلى الآن، على اعتبار أنها صورة من صلة الرحم".