فكر جاحد

ليس لدينا مشكلة في"من يحكم من"، أحيانا، وصاحب الحظ يكون هو صاحب البطش الأكبر. الأمر يدخل من باب تصاريف الدهر، والتي "تعطي الخبز لمن لا يملك أسنانا"، في كثير من الأحيان.ليس لدينا مشكلة في من يصبح مسؤولا، ومن يصبح من الحاشية، فأحيانا اللئام هم من يدركون المناصب التي تعفّف عنها الكرام. وفي مرات أخرى يصبح المنصب "طُعما" لاقتناص الأخلاق، ولفرز الذين لم يعرفوا، عن أولئك الذين يعرفون، ولكنّ أخلاقهم لم تتح لهم "مغبّة" الوصول إلى الهدف، خصوصا أنه يتطلب إهدار كرامات، وفناء أخلاق.تلك بعض استشرافات الفكر الجاحد، والذي يترك لخياله العنان بعيدا عن أولئك الذين وضعوه على درب النجاح، من غير أن يطلبوا منه شيئا كثيرا؛ اشترطوا أن يكون "هو هو"، من غير تغيير أو تمثيل أو تبجّح.لم يكن هناك فناء، حين خلقت الأرض من غير سوء من الرحمن. الفناء فكرة مستحدثة بعد أن استشاط الخلق من بعضهم بعضا، وأدركوا أن الخير لا يمكن أن يبقى وحيدا من دون أن يقابل بنقيض يفرزه عما سواه: هكذا خلق الأدعياء والضعفاء والأشرار وقناصو الفرص والوصوليون وأصحاب الأجندات المشبوهة.لم يكن هناك فناء حين غزت الحياةُ العدمَ. لكنّ أصحاب الطموحات الذين لم يمتلكوا مقومات لتحقيقها، سوى ما تجود به أمراض اجتماعية اخترعوها، أرادوا أن "تتميّز بضدها الأشياءُ". وهكذا كان.وثمة وجه آخر للشرّ: الطيبة الكاذبة للضعفاء الذين لا يجدون أمامهم من سبيل إلا أن يكونوا طيبين. إنهم أصحاب تلك الوجوه التي تعتليها ابتسامة "أوتوماتيكية" غير حقيقية.الضعفاء ينبغي لهم، دائما، أن يكونوا طيبين. علمنا ذلك على الدوام، فقد اختبرنا ضعفاء ووسطا وأقوياء.لم يكن هناك أكثر قسوة من الأقوياء الذين يعتقدون بأحقيتهم للأماكن التي يحتلونها.لم يكن هناك أكثر طيبة من الضعفاء. ولم يكن هناك أكثر لؤما أو انتهازية منهم.إنها الطيبة الإجبارية التي لا يوجد غيرها في حساب الربح والخسارة الذي يقيمونه في كل منعطف يمر بهم.ودودون مع الجميع؛ ابتساماتهم مجانية، ضحكاتهم تعلو لا لشيء معين، ولكن للتأكيد أن "كل شيء على ما يرام"، وأن "الأمور تحت السيطرة". عيونهم تلمع بالفرح عند الحديث الجانبي، ولكنهم في الخفاء يعدون لحربهم المريضة، حين يتخيرون لممارسة ساديتهم المكبوتة على من هم أكثر ضعفا منهم، ليسربلوا شخصياتهم المهزوزة بلباس القوة الزائفة.رأينا نماذج كهذه دائما. كانوا يطمحون دائما إلى أن يشكلوا هالة من الطيبة حول شخصياتهم الفارغة، وكأنما هم في صدد حشد أكبر تأييد لانتخابات مصيرية، غير أنهم يمارسون نرجسيتهم المكبوتة على ضعفاء، ساقهم الحظ ليكونوا تحت لوائهم.إنها لعبة الحياة، ربما الأصحّ أن نقول: "لعبة أدوار الحياة". فكلّ شخص تناطُ به وظيفة ليحققها فوق الأرض. وأسعدنا من تكون وظيفته متساوقة مع فطرة الخير في طبيعته البشرية، بعيدا عن الأشخاص الذين يتأبطون شرور العالم.