حُرّاس العمليَّة السلميَّة

ثمَّة حُرَّاس مخلصون لـ "العمليَّة السلميَّة" يعملون مِنْ أجل استمرارها إلى ما لا نهاية، وكلّما خفت الحديث عنها والثرثرة في إطارها، تنادوا لإحيائها ونفض الصدأ والغبار عنها؛ فإذا ما تحقَّق لهم ذلك، ركنوا إلى الصمت والهدوء واستسلموا لسبات عميق. والعمليَّة السلميَّة، بالنسبة لهؤلاء مطلوبة لذاتها، وغير محدودة بأفقٍ زمنيّ، أو خاضعة للتحوّلات السياسيَّة.
وهؤلاء الحرّاس، في معظمهم، سياسيّون سابقون اشتغلوا في فعاليّات وأنشطة "العمليَّة السلميَّة"، أيَّام "مجدها"، ثمَّ تقاعدوا وأصبحوا يشكِّلون ما يشبه نادياً خاصّاً لمؤازرتها؛ حيث يلتقي أعضاؤه مِنْ حين لحين، ويثرثرون معاً ثمَّ يصدر عنهم تصريح صحافيّ يقول إنَّهم ناقشوا سبل إحياء أو إنعاش أو تحريك أو كسر جمود "العمليَّة السلميَّة"، وينصرفون. كان دوران ماكينة "العمليَّة السياسيَّة"، طوال العقدين الماضيين، مطلباً بحدّ ذاته من الولايات المتَّحدة وحلفائها في المنطقة، لا لشيء سوى عدم ترك القضيَّة الفلسطينيَّة (قضيَّة العرب الرئيسية) للفراغ الذي لا يمكن التكهّن بمن سيعبِّئه، عندئذٍ، ولا بماذا. لذلك، كان يجري الإيهام دائماً بأنَّ ثمَّة جهودا جدِّيَّة متواصلة لإيجاد حلّ لهذه القضيَّة، وأنَّ ما يُسمَّى "المجتمع الدوليّ" مهموم بها طوال الوقت ولن يتركها إلا بعد أنْ يتمكَّن مِنْ حلِّها. بما يمكن ترجمته إلى: يا أصحاب القضيَّة وأنصارها؛ اتركوها لنا، ولا تشغلوا بالكم بها.
لكن، منذ سنتين، وفي ظلّ ما يُسمَّى الربيع العربيّ، جرى صرف أنظار الناس، شيئاً فشيئاً، عن التفكير بالقضيَّة الفلسطينيَّة، وأصبحت إيران وروسيا والصين وسوريَّة وحزب الله، وحتَّى فنزويلا، هي العدوّ الرئيسي، بالنسبة لبعض أبناء جلدتنا، خصوصاً في الإعلام العربيّ المهيمن. أمَّا "إسرائيل" والولايات المتَّحدة، فهم، في أحسن الأحوال، أعداء من الدرجة الثانية أو الثالثة. وفي هذه الأثناء، أخذتْ "إسرائيل" راحتها في الانتشار الاستيطانيّ في الضفّة الغربيَّة، وتهويد القدس، والعمل على تهويد "الدولة" كلّها، كي تتخلَّص من فلسطينيي نكبة 1948 الذين يحملون جنسيَّة "إسرائيليَّة". ومع ذلك، فقد عُقِد، مؤخّراً، اجتماعٌ جديد لمجموعة أصدقاء "العمليَّة السلميَّة"، إيَّاها، تحت العنوان المعتاد، نفسه؛ أي مناقشة سبل كسر جمود العمليَّة السمليَّة. وفي النهاية، أدلتْ المجموعة بتصريحاتها النمطيَّة المعتادة، وكان الله بالسرّ عليماً. والطريف أنَّك عندما تقرأ تصريحات هؤلاء وتنظر إلى صورهم وهم مجتمعون، يبدو لك المشهد، رغم كلّ شيء، جدّيّاً تماماً، وأنَّ ثمَّة زبدة ستنتج قريباً مِنْ خضّ الماء هذا، أو بالأحرى، مِنْ هذا اللت والعجن الفارغ. والرسالة المراد إيصالها هذه المرَّة هي: "اطمئنّوا نحن لم ننسَ "العمليَّة السلميَّة"، رغم انشغالنا بسوريَّة؛ فابقوا معنا على هذه الموجة (أي موجة سوريَّة)، ولا تشغلوا بالكم بما تفعله "إسرائيل" على الأرض، ولنكن يداً واحدة ضدّ سوريَّة". تماماً مثلما كان يحدث إبَّان التحضير للعدوان على العراق.