آه يا جرحي المُكابر وطني ليس حقيبه وانا لست مسافر على عتبة الستّين

أحمد محمود سعيد

رحم الله الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي توفي عن سبعة وستون عاما حاملا الهم الفلسطيني غصّة معه في فبره بفلسطين الذبيحة .
عندما يبدأ الانسان استعادة الصور الجميلة في حياته فكأنه يودّع الدنيا لمن فيها وحينها يعزّ عليه من سيفارقهم والذين عاش ما حباه الله من حياة من اجلهم لانه يعيش على امل استمرارية حياته فيهم وهذه النعمة لا يشعر بها إلاّ من حُرم منها .
ستون عاما تكاد تمر من عمري بدأت في مخيمات الشقاء حيث ابصرت النور وكانت طفولة بذلّْ لم اشعر به ولكنني عشتها بكل ما فيها وبعد تلك الحقبة المليئة بقهر الرجال ودموع النساء ومؤن الامم المتحدة حيث كان كرت المؤن هو البطاقة التعريفية وهذه المرحلة تجاوزناهاالى مرحلة الدراسة الاعدادية حيث فهمنا في سنوات الابتدائية هموم الرجال وما معنى ان تُغتصب ارضك وتصبح بلا وطن وبلا ارض اي كأنك اصبحت سائلا وشحّاد وطن وارض ولكن من نعم الله ان وجد اباؤنا في الارض الاردنية وطنا واهل الاردن اهلا واخوة وعزوة .
واستهللنا المرحلة الاعدادية في عمان الجميلة حيث اصبحت الحياة غير حياة شوارع تختلف واناس مختلفن شكلا ومظهرا ومحال تجارية واسواق بالوان وبضائع تختلف .......
وانا على عتبة الستين انظر للدرجات الستين للاسفل كما تعودنا العرب جميعا فالاسفل دوما لنا اما من ينظر للاعلى فقد وصل القمر بعلمه وعقله وقلبه وصدقه وعندما نظرت للاسفل وجدت فلسطين قد ضاعت وحولها خسام وعلب سردين واكياس طحين كتب عليها هديّة من الشعب الامريكي ليس للبيع والمبادلة وقد خاطت الامهات الفلسطينيات تلك الاكياس ملابس داخلية لابنائهم واطفالهن وبعضها لاغراض اخرى .
كما نرى في الاسفل بلاد تهوي اولها بلد بحجم الرافدين اراها وقد قتلوا وعذّبوا وشوّهوا رجالها واغتصبوا نسائها وتماثيلها وعمائم سوداء وبيضاء ولفائف على رؤوس الرجال تذرف الدماء على ما حصل وعرفنا ان العبّاسيون قد أصيبوا بالطوفان ولم ينج احد بل وحتّى المعتصم لم ينقذها .
وبعده رأينا الفراعنة ابناء الكنانة واهل تونس الخضراء واصحاب القات في اليمن السعيد ودمارا كبيرا ينزل على ليبيا وغيرها من دول الربيع وبانت من بعيد غبارا وبدت خيول بني اميّة تسابق الومن لانقاذ شامهم واهلها من دمار مخبئ لها يفتك فيها وفي اهلها والمناطق المحيطة بها ولا يستطيع احدا ان يساعدها لتخطّي المصايب . ويتناثر على درجات دون الستين اناس استهواهم الفساد والنهب يعيثون في المجتمع خرابا لتساعدهم تمتدُ لهم ايادي المنافقين والخائفين والضعفاء يُسهلّون ويُبرّرون لهم سوء اعمالهم وبالجوار مجتمعات مخنوقة من الفقر ومما بداخلها لا تستطيع البوح به وحريات لم ترى النور وديموقراطيات نراها في دول الغير واناس يتاجرون في الدين من اجل الدنيا وحفنة دولارات وعندما نحدّق اكثر لا نرى شيئا لان الظلام شامل الا من بعض اضواء متلئلئة لمن يرقصون على جماجم الاطفال المرتحلة لباريها بفعل البشر ......
يا إلهي لتلك الاهوال التي مرّت قبل الستون عاما فماذا بعد الستين إن وهبنا الباري لقياها .
نعم جُرحي مُكابر لا يقوى على النزف اكثر وعيني سهارى لا تقوى على النوم اكثر وفؤادي مثابر ولكن لا يقوى على الحب اكثر وضميري معاصر ولكن لا يقبل الخيانة اكثر ونفسي تُهادن ولكن لم تعد تتحمل الظلم اكثر .
يا لهول الاقدار قبل الستين فهي سنين التعب والعمل والشقاء ولكن هل نهاية العذاب اقتربت ام ان الانسان اختصر الموضوع وبات يأخذ من اسمه النسيان ولكن من ماتوا بعد الستّين ولم ولن ينسوا في قبورهم بيوتهم واوطانهم وهل قبلوا استبدالها باراض في الفردوس الاعلى ام ما زالو يحلمون ان هناك فردوسا سينزلون فيه يوما في طريق العودة .
كون عامر بخالقه وخلقه مرّت عليه ملايين الستّينات ولم يشكو الكون ولم يعرف كلمة أخ لانه ليس له اخ يحتمي به ويرتكي عليه وترك الخالق الاخ لخلقه ليتبيّن الصالح من الرديئ ومن صاحب النخوة من تاركها لان الخالق اعطى للأخ حق النجدة والانقاذ لاخيه ولم يعطها لامه وابيه وغيرهم وقد تكون كلمة أخ عند الوجع هي عربية فقط ولكن هكذا علمتني الستّين
وقبل الستين بست سنوات عمي القلب للحظة وملأ حجراته ظلام دامس قيه اشباح وزير متغطرس وصديق خائن وقريب فاس وحظ عاثر فامتلئت الحجرات وفي لحظة ليس بعدها بُعد قررت ان لا مكان لي بين اهلي ومن كانوا ناسي فارتحلت الى بلد ليس لي فيها علم مُسبق ولا وله مغدق وشدى قلبي بكلام جبران خليل جبران
مصنوعٌ اذا جُبروا الخيرُ في الناسِ
لا يفنى وإِن قبروا و الشرُّ في الناسِ
ولم يطل رحيلي حتى عدت لقبر من احب وبكيت وما زلت وعدت ارتحلت ولم يطل بي المقام حتى انحدر المستقبل خجلا من احلامي ومات من احب ثانية وما زال الزمان يُعاندني وما زال جرحي يناشدني بان اعترف اني خلقت لزمان غير زماني حتى ابتسم الزمان لي على ما وهبني الله من حفيدة بالدنيا اثاقلها بعد ان كان منحني اربعة من الابناء لنعلي البنيان .
زمان ليس فيه من الخير إلاّ فتات من البشر والكثير من رب البشر وزمان فيه الكثير من الشر والضرر وكثير من تسامح رب البشر .
ستون عاما رأينا كيف يضرب الابن اباه ليبيع ارضا لينفق على مراهقته وكيف الأب يقتل ابنته على وشاية او اوهام تلصق بالشرف وكأنّه وكيل الله على الارض او كيف يأكل الاخوة حقوق اخواتهم في ارث او حقوق وكيف يأكل رب العمل حقوق عماله باعتبارهم غرباء الستّو في بلادي هي سن ان تموت وانت قاعد وفي بلاد الغرب هي فترة الراحة والمكافئة وحيث يرى المتقاعد ما فاته في حياته داخل بلده وخارجها خلاف ما يستفيد الغير من توجيهات وتعليمات وغيرها توضع لكم وللاخرين . انا با حبّي لا اعتبر الوطن حقيبة وانا لست مسافرا كسائح فاهدأ يا جرحي المكابر ولا تعاند ولكن تأكد ان من يُعاند الحكومة هو الفائز وان كان مسافرا هو العائد يحمل في قلبه حبا لم يغادر وان عاد بعد الستين يكون قد قطع سنين المراهقة والعشق وان عاد لن يُسافركما كتب الامير خالد الفيصل في الستّين
مرت الستيـن والشايـب طفـل
توي أدرس في كتاتيـب الحيـاه
مرت الستيـن مـازال الجهـل
كل ما جيت استره يكشف غطـاه
مرت الستين فكري مـا اشتعـل
كلمااشعل جذوتـه وقتـي طفـاه
مرت الستين دربـي مـا كمـل
واقف في راسـه أتأمـل مـداه
ألتفت والوقـت يدفعنـي عجـل
ماانتهيت من امس وباكر ذا سناه
كل يوم أقـول فـي باكـر أمـل
وان حضر باكر رجيت اللي وراه
أرفع الهقوات لـو حظـي نـزل
واقنص القاع الذي ما احد وطـاه
المراجـل مـا بطلبتهـا خجـل
يخجل اللي يقدر الطيب وعصـاه
السنين اشعـار والشاعـر مثـل
يفهمه من شاف بالعقـل وقـراه
أكتب الايام في شعـري غـزل
كل بيت عاش في عمري حيـاه
احمد محمود سعيد
2/11/2012