صحراء بجانب الماء

بقلم : أحمد نضال عواد .


سار رجلُ في غابة ، وسط صحراء قاحلة، بجانب الشّلال النّابع من النّهر في الأعلى ، والذي يصبّ في البحر المجاور لنا ، بحر يروي الظمأ ، وغابة فيها المأوى والكلأ ، وشلال يداوي المصاب برذاذ مائه العذب الفرات ، وما زالت الصّحراء متوسّطة في المكان ، حاضرة وباقية ، لا تريد الاضمحلال ، بل تريد التوسّع والانتشار ، فهذا الرّجل يسير في وسط الطّريق حائراً باحثا عن ضالته ، فلعلّه يجد الملجأ والمأوى ، أو أنّه يجد المعين والنّصير .


أكمل هذا الرّجل سيره في حيرة وتأمّل ، وفي هذه الأوقات ضلّ الطّريق ، وانحرف عن المسار ، فأخذ يبحث عن مرشد يهديه ، ويمنعه من الطّغيان ، ويفسد عليه الانجراف ، ويبعده إلى المنهج القويم .


فهي الحياة كما نريد أن نراها موجودة ، فالخير باقٍ حتى في وكر الفاسدين ، والشّر موجود إذا أردناه حتى مع الصّالحين ، فالدّنيا مليئة بالصّواب والخطأ ، فهما متلازمان لا يفترقان ، والصّلاح والضّلال ، فهما متلاصقان لا يبتعدان ، ولكن لكلّ منهما وجهة مختلفة ، و درب متنافر ، فهو خيار للمرء كما أراد أن يسير ، ولعلّه إن أخطأ يوما في التّقدير ، يجد المعين و النصير ، يرشده ويقوّمه ، يصوّبه ويعدّله .


لا يتحدّث لك إلّا من عنيت له الشّيء العظيم ، فليس كلّ شيء نراه بأعيننا ، فعيننا لا تبصر الكثير ، وليس كلّ أمر نعرفه لوحدنا ، فهناك أمور مخفيّة ، لا تشاهد في العين البصيرة ، وإنّما بحاجة إلى تدبّر وتحليل .


لا تنظر دائما إلى شدة الملوحة في البحر ، فهناك من يجعل من الماء الأجاج عذباً مستطاب ، واسترشد دائما بالحقّ تعلو ، وابتعد عن الشّرِّ تنجو ، فالغرق عندما لا تجيد السّباحة أمر عسير .


انظر إلى الموضوع بجوانب متعددة ، ولا تنظر بزاوية وحيدة ، تجعلها مصيريّة ، فليس الإبصار للأعمى متاح ، ولكنّه يدرك أنّه لا يرى ، فلا تكن ضريرا بفكرك ، وكن حكيما بعلمك ، وكن عالما بما تريد وفق ما تستطيع .


لا تنتهج الخطأ مسلكا لتسير فيه ، وكن مدركا للشّرور والمفاسد ، وكن على حذر بثبات ، واعمل على تجنب الزّلات ، والإبتعاد عن الهفوات ، فالإرتفاع يحتاج إلى تضحية وتأنّي ، ولن يأتي وليد اللحظة والتّمني ، فاصبر إنّ الصّبر جميل ، وكن حكيما بتصرفاتك ، دون تسرع واستعجال ، ودون إبطاء وتأخير ، توازن في أفعالك ، فليس بعد الإعتدال ضلال ، فالتوسط هو الخيار الأمثل ، للنتيجة الأفضل.


اجعل التسّامح حاضرا في أيّامك ، واجعل الرّحمة رفيقة في أفعالك ، لن يقوّمك إلا مُحب ، ولن يغويك إلّا مُضل ، لا تجعل الصّحراء تمتد وتنتشر ، فهي على جمالها ، إلّا أنّ العيش بمحاذاة الماء أمر جميل ، لأنّ الظمأ عنده يعدّ مستحيل ، والجُواد في الصّحراء أمر يسير ، فابتعد عن الهلاك والتّدمير ، واحرص على النّماء والتّطوير ، فالكمال ليس من صفات بني البشر ، فلا بدّ من عيب وخلل ، فلا تجعله يكبر ويتفاقم ، فاسمع النّصيحة وحلّلها ،وردّها إلى عقلك السّديد، ولا تلقي بها يوما في عرض الحائط ، دون وعي وتدبّر ، فقد يكون الإعراض عمّا جاء فيها هلاك وتحطيم.