رزان المغربي وعبقرية رؤساء الوزراء

بسام الياسين


في إقرار جريء ولافت لذمتها المالية،وعملاً باخلاقيات المواطنة،واحتراماً لقوانين دائرة الضرائب،وإثباتاً لطهارتها الوطنية،والنأي بالنفس عن الشبهات،وتعزيزاً لمفهوم النزاهة،وتناغماً مع قانون الكسب غير المشروع،والتزاماً بقانون من اين لك هذا،المعطل منذ ثمانينيات القرن الماضي.اعلنت الفنانة "الفاضلة"رزان المغربي عن حجم ثروتها ومصادرها،وقنوات إنسيابها.مؤكدة بصراحة"النبلاء"،انها فقيرة رغم ملايينها، لكنها ثرية بمحبة الناس،مشددةً في الوقت ذاته،ان ملايينها جاءت من"دعوات والدتها" و"عرق جسدها".

*** المستورة نفت عن نفسها اي شبهة حرام او سقوط اخلاقي.كما اكدت انها لم تركب يخوت الامراء،ولم تقضِ ليالٍ حمراء في قصورالاغنياء،بل انها شقيت في"الشغل".وهي باعترافها الشفاف كفساتين سهرة عارضات الازياء،والمقتضب جداً مثل مايوهات البحر،نموذج يستحق الدراسة،اذ انها بهذا السلوك الوطني الملتزم، تكون قد سددت ضربة قوية الى انوف المسؤوليين الحرامية،ووجهت لطمة قاسية لاعداء قوانين تحصين المال العام :من اين لك هذا؟!،الكسب غير المشروع،"الدفع قبل الرفع" "الرفع اوالانهيار"رفع الضرائب في زمن ابو المصايب" "شد الاحزمة على البطون" "جيوب المواطنيين خزينة الدولة"

*** الجلاء التاريخي،والكشف البنكي لثروة المستورة،جاء بمثابة عملية تطهيرية لسمعتها،رغم مقاطع الفيديو المسربة عنها التي"كشفت فيها اغلى ماتملك" خلال رحلة بحرية ارتفعت فيها امواجها الهرمونية الى مناسيب عالية، نتج عنها اضطرابات في إستقلاباتها الداخلية،واعتلالات كهربائية في جهازها العصبي،واختلالات حادة في معادلات كيمياء دماغها،مما تولدّ عنها فورة شبابية،واجهتها بكؤوس مترعة بالنشوة، ومعتقة بالرغبة،إنتهت بالضربة القاضية

*** لااحد يشكك بان ابواب السماء تُفتح لدعوات ام رزان،بمجرد ان تفتح يديها،لكن الاعجب،ان ارصفة الوطن العربي تغرق بالشحادين،و تعج شوارعه بالمعدمين،وتضيق ساحاته بالمسحوقين،وميادينه تزدحم بعد صلاة كل جمعة بالمعذبين،ممن بُحت اصواتهم بالدعاء للمطالبة بمحاسبة اللصوص من المسؤولين،والكشف عن ذممهم المالية وفضائحهم الاخلاقية،وبالرغم من اكف الضراعة لهذه الجموع المليونية الملتاعة،ظلت ابواب الحرامية موصدة "بفضل الحماية الالكترونية"،وكأن الدعوات الجماهيرية غير مسموعة،ولامستجابة؟!.اللافت في الموضوع،ان المتظاهرين التقطوا تصريحات "الفنانة الشاملة"ورفعوا من وحيها لافتات ساخنة عسى ان يقرؤها المسؤولون باعينهم بعد ان صموا اذانهم عن سماعها مثالاً لاحصراً :"هل لكم امهات مستجابات الدعاء كالحاجة الصالحة مستجابة الدعاء أم رزان حتى تهبط عليكم ثروات طائلة بين ليلة وضحاها"/"ايها المسؤولون:ليكن لكم في رزان قدوة حسنة/اكشفوا المخبوء عندكم مثلما كشفت المستورة المستور عندها ".

*** على ضوء القاعدة المعروفة: اذا عُرف السبب بطل العجب،فان السيدة رزان ازالت النقاب عن سر ثروتها بانها جاءت من دعوات امها المرأة الصالحة،وسهرها المضني،"فمن طلب الثروة سهر الليالي"،اما ما ظل سرا،ويجري التعتيم عليه،هو كيف جمع المسؤولون ثروات ضخمة في فترات قياسية،مع انهم ليسوا ورثة،وليس لديهم موهبة "رزان" بل انهم ورثوا الفقر عن آبائهم واجدادهم؟!.ناهيك انهم لم يركبوا على ظهور اليخوت في خلوة بحرية مع احد العربان،ولم يجلس احدهم فوق سنام جمل في رحلة قنص صحراوية،مع رجل من حاشية السلطان.اما الادعاء بأن ثرواتهم هبطت من دعوات امهاتم الصالحات،فان امهاتنا ايضاً صالحات،فمامعنى ان يسكنوا قصوراً خيالية كالف ليلة وليلة،فيما لازالت اغلبيتنا،تسكن بيوتاً مستأجرة،في ظل قانون جائر،تعامت عن تعديله الحكومات،وتجاهله النواب،وطنشه الاعيان الصلعان،.

*** اين العلة اذاً؟!.هل هي في الدعاء ام في استغلال الوظيفة؟!.الحقيقة ان العلة في النخبة التي استحوذت على المال والسلطة،فأنجبت اكبر مفسدة في التاريخ قياسا بامكانيات البلد،وعدد سكانه،وثرواته المحدودة،فالاردن بمداخيله وثرواته وانسانه المبدع ليس فقيراً بل منهوباً كما اثبتت قضايا الفساد المكشوفة والمستورة والمسكوت عنها.

*** تقول ارقام الاحصائيات الحديثة:ان (100) الف اسرة اردنية فقيرة هبطت الى مادون خط الفقر، الاسوأ هبوط مثل هذا العدد من الاسر من "خط مادون الفقر"،الى " خط الفقر المدقع"،في حين ان ثرياً اردنياً واحداً يستهلك (15) الف لتر حليب شهرياً،ليملأ مسبحه من اجل ان يغطس بالحليب والزبدة والسمن،فقط لتطرية اردافه،وترطيب شفاهه بينما اطفال محافظة اردنية كاملة لايستهلكون خُمس هذه الكمية لبناء اجسامهم الغضة،اما كبار السن فانهم يعانون من هشاشة عظام،لانهم لم يذوقوا الحليب منذ ان فطمتهم امهاتهم ايام العهد التركي.

*** الطاهرة رزان"نخبك نخبك سيدتي"/"لم يتلوث منك سوى الجسد الفاني"،لكنهم ملوثون من قمم رؤوسهم حتى اسفل نعالهم. نعرف ان ملايينك لم تأت بفضل "كرامات امك الخارقة"،فتلك كذبة كبيرة غير قابلة للتصديق،مثلما لم تأت ثروات "النخبة" من مال حلال،ولو كانت الامور كذلك، لحررنا فلسطين من النهرالى البحر بخطب يوم الجمعة النارية،ولسددنا مديونيتنا الثقيلة من فوق المنابر.

*** حكماؤنا البررة ـ رؤساء وزرائنا المبشرين بالجنة ـ عباقرة الاقتصاد والسياسة والادارة ، لم يجدوا حلاً للازمة الاقتصادية الا بـ "عصر المواطن بالعصارة" حتى لاتبقى فيه قطرة واحدة .فقد إبتدأ التجربة الاولى رئيس وزراء مخضرم بنظرية "جيوب المواطنيين خزينة الدولة، فعمد المواطنون آنذاك الى التخلي عن موضة الجيوب،وردوا عليه:ان الاكفان بلا جيوب يادولة الرئيس. خلفه رئيس آخر بنظرية "شد الاحزمة على البطون"،مما دفع الناس للاستغناء عن الاحزمة حتى سحلت سراويلهم الى اقدامهم،فقال خطيب ساخر في حشد منهم مصاب بالهزال: ايها الاخوة لماذا سراويلكم رخوة ؟!،حتى جاء رئيس بالغ الحكمة بشعار:"الدفع قبل الرفع" لتحصين المال العام،وقصقصة اجنحة الفاسدين،ممن تلوثت ارواحهم وتقيحت ضمائرهم،لكن الحراميية امعنوا في الحرمنة،لدرجة انه لم يبق من "اغلى مانملك مايملك".

*** بعد ازيد من عقدين،اضطر حكيم الحكماء وشيخ الوزراء من إبتداع شعار الجدار الاخير:"رفع الاسعاراوانهيار الدينار".القرآءة الفاحصة للشعار تؤكد بالقطع انه: مغلوط اقتصادياً ومرفوض شعبياً،فهوسيهز مكانة الدينار،ويُقوض ثقة المواطنيين بعملتهم،ويساعد على تهريب المستثمرين في الداخل،و ويعمل على تخويف الراغبين بالاستثمار من الخارج. اخطر مافي تصريح دولة النسور الذي حلق بعيداً،هو دفع المدخرين الكبار والصغار دفعاً الى "دولرة" الدينار او تهريب اموالهم،فيما الاسوأ ان كُتاب الحكومة اصيبوا بالخرس،ولم يفند احدهم شعار الرئيس القاتل.

*** شعار الدكتور النسور،يذكرنا بما قاله السيد المسيح عليه السلام، لمريض مشلول"إحمل سريرك وإمشِ ايها المريض" فمشى المريض بامر الله.السؤال الكبير، كيف سيصلح النسور الاقتصاد المنهار ويجعله يمشي حتى على عكازتين من كرتون.فالفارق بينهما اكبر من كبير، فالمسيح رسول ونبي ومن أُولي العزم،كان يُكلم الناس بالمهد صبيا،و يُبرىء الاكَمةَ والابرصَ ويحيي الموتى باذن الله.لكن معجزة النسور"الرفع او الانهيار"،ستسبب المزيد من الشدة النفسية والعنف المدمروالعصبية ،لعباد الله، نتيجةً للتضييق عليهم،وضيق ذات يدهم، جراء نظريته التعجيزية.

***مواطن طاعن في الجوع والخبرة،تسآءل وهو يُنكّسُ شاربه عن سراهتمام رؤساء الوزارء الاردنيين الزائد بقضية "الرفع"...؟!!!