من الذي أسس لثقافة هذا الجيل !!!

الدكتور : رشيد عباس


صرخ الفيلسوف الروماني "إميل سيوران" ذات يوم قائلا : أرجوكم لا تتركوا هذا الجيل وشأنه , وعندما هدأ ... ابتسم وقال : التقدم هو الظلم الذي يفرضه كل جيل على الجيل الذي يليه , بطبيعة الحال أنا هنا لن اصرخ ولن ابتسم , وأنا لست فيلسوفا , لكن واقع الحال سيجعلني غير مؤيدا لإميل سيوران , إضافة إلى ذلك أن الفلسفة الرومانية اهتمت بالأخلاق ، أكثر من اهتمامها بالمنطق والطبيعة . أقول لإميل سيوران , وأعتقد انه قد غادر هذه الحياة وبنفسه شيء حول تعاقب الأجيال , ولغيره من المهتمين بثقافة الأجيال , أن إصدار الأحكام الغير مرتبطة بتطور الواقع , وأن فكرة لكل زمان واقعه الخاص به , وان تعميم وقائع على أزمنة غير أزمنتها , وأن الأجيال السابقة عاشت واقعا ثقافيا مختلفا تماما عن الواقع الثقافي للأجيال التي بعدها ... كل ذلك عفا أو كاد أن يعفي عليه الزمن , وأن السبب في ذلك نتيجة للتقدم السريع في التكنولوجية . أن تعاقب ثقافة الأجيال في عصر التكنولوجيا يختلف تماما عن تعاقب ثقافة الأجيال في عصر ما قبل التكنولوجيا , فثقافة جيل عصر الصناعة , وعصر الزراعة , يختلف تماما عن ثقافة جيل عصر التكنولوجيا , إذا اتفقنا على أن الجيل هو : مرحلة التعاقب الطبيعية من الإباء إلى الأبناء ، أو على أنه "متوسط الفترة الزمنية بين ولادة الآباء وولادة أبنائهم" .

المهم هنا يا علماء(علماء الأجيال) ولا غرابة من ذلك أن (مدة الجيل) وهي "متوسط الفترة الزمنية بين ولادة الآباء وولادة أبنائهم" في عصر التكنولوجيا ستكون قصيرة نوعا ما , وهذا سيقرّب من الفجوة الثقافية ما جيلين (جيل الإباء وجيل الأولاد) , وهذا يعني اقتراب نهج وطريقة الحياة لكل من الإباء والأولاد لتصبح نفسها فيما بعد ! , وهذا من وجهة نظري سيقلل حتما من التذمر والعتاب واللوّم المتبادل سابقا وحاليا بين الطرفين . أقول لإميل سيوران وغيره من المهتمين بثقافة الأجيال , أن الـمدة الزمنية بين جيلين كما حددها علماء الأجيال سابقا كانت (33) سنة , قد انتهى مفعولها , بسبب التكنولوجيا وملحقاتها . وأن التكنولوجيا وملحقاتها هي التي أسست لهذا الجيل , وستؤسس للأجيال القادمة بصورة أوسع , وستلغي الفجوات بين الأجيال .