خواطر عيد ....

أحمد محمود سعيد

قبل اكثر من نصف قرن كان عمري عشر سنوات وكانت الحياة تختلف في كل شيئ كنا نسير مشيا على الاقدام لنصل مدارسنا قبل الوقت ونصطف بالطابور الصباحي لنستمع لنشيد السلام الملكي الاردني

عاش المليك

سامياً مقامهُ

خافقاتٍ في المعالي أعلامه

وثم نستمع الى النشيد الوطني الجزائري وقد كانت تشهد حرب التحرير

قسما بالنازلات الماحقات

و الدماء الزاكيات الطاهرات

و البنود اللامعات الخافقات

في الجبال الشامخات الشاهقات

نحن ثرنا فحياة أو ممات

و عقدنا العزم أن تحيا الجزائر

فاشهدوا... فاشهدوا... فاشهدوا...

وثمّ تبدأ حملة تبرعات بالقروش التي يستطيع الطالب دفعها من مصروف جيبه اليسير وبعد ان يتم التفتيش على اظافرنا وشعر رأسنا ندخل الى صفوفنا بانتظام وكان للمعلّم هيبة في نفوسنا قد تضاهي خوفنا من آبائنا واجدادنا في حينه .

وكان لدينا فرصتين وعندما نخرج للفرصة الاولى كنا نسرع للمقصف لنشتري فيما تيسّر مما معنا من نقود مثل شعر البنات او البوشار او بسكوتة نأكلها بعد ان نكون أكلنا الخبزة وقطعة الجبن او السندويشة التي احضرناها من البيت وزرتحتوي على بندورة ومخلل وبيض او ما تيسر مما في البيت والقرصة الثانية في الغالب كنّا نبدّدها في اللعب ونكون في نهاية اليوم الدراسي انهكنا التعب ونعود كما اتينا سيرا على الاقدام باتجاه البيت حيث نأخذ غدائنا مما طبخت الوالدة وكان معظم الطبيخ الفاصوليا البيضاء او الخبّزة او البقلة او الحويرنة او الملوخيّة وغيرها مثل الكوسا والبطاطا والبندورة ومعظم تلك الطبخات تكون بدون لحم وعندما تكون الامور عال العال كناّ نجد الدجاج على شكل صينية وطبعا تُطبخ ارجل الدجاج معه او يُعمل عليها شوربة .

وبعد الظهر كنا نلعب بالحارة كرة قدم باستخدام كرة شرايط او كرة بلاستيك ليست بالمقاييس التي عليها الان او نلعب جلول او السبع شقف او نعمل سيارات بالاسلاك مع عجلات من اغطية زجاجات الكازوز او من كرّارات الخيطان او نلعب بطائرات الورق التي نطلقها للجو ونتسابق في مدى ارتفاع تلك الاطباق الورقبّة .

وفي اخر سنتين من خمسينات القرن الماضي كان الناس مشغولين بحلف بغداد والاتحاد الهاشمي واتذكّر والدي عندما جاء من بغداد بعد ثورة عبد الكريم قاسم ومقتل الملك فيصل الثاني رحمه الله في نفس اليوم الذي كان سيسافر فيه الى تركيّا لرؤية خطيبته , وكذلك كان الاردنيون مشغولون بحزب التحرير وبياناته ونفي اعضائه الى المدن الاردنية النائية كما كانت خطابات الاشتراكيين تشغل المواطنين وكذلك استشهاد دولة هزّاع المجالي في عمل ارهابي جبان كما كانت محاكمات الجواسيس لاسرائيل تأخذ حيزا وبمعنى اخر ان السياسة الوطنيّة كانت شاغل اناس كثيرين , اضافة للعدوان الثلاثي على مصر وقبلها تعريب الجيش العربي وكانت تلك الفترة كأنها فترة ترتيب اوضاع لاستقرار المنطقة التي لم تلبث ان نهضت لتثبيت إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية اثناء انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني الاول في بيت المقدس عام1964 ورئس المنظّمة احمد الشقيري وبعدها ظهرت منظمة فتح التي تأسست من فلسطينيين عاملين في الكويت وبعد ذلك انشغل الاردنيون في حرب باردة شنتها اسرائيل في اوقات متفرقة على الاردن كان اخرها على السموع الاردنية قبل ان تجتاح الضفّة الغربية بالكامل عام 1967 .

وغير ذلك من خواطر كانت تغلب عليها الحس القومي العربي الذي سيطر فيه جمال عبد الناصر على قلوب الكثيرين من العرب مع وجود خلافات مع الاردن احيانا وفي تلك الفترة اعدم عبد الناصر الكثير من قيادات الاخوان المسلمون الذين باتوا يحكمون مصر الان .

اما الان فالشباب لاهون بالرياضة والاي باد والاي فون والكمبيوتر والاغاني سريعة الرتم اضافة الى حدبث الجنس والمخدرات ....

اما من ناحية اجتماعية فكان الحب الحقيقي يملأ قلوب الناس والايثار والنخوة تسبق طالبيها صجيح ان الرواتب كانت قليلة وان الاغنياء والموسرين كانوا متواضعين تعاملا وقليلين عددا وكان عدد البنوك قليلاوكان عدد العاملين بالنظافة قليلون ولكن الاحياء انظف من الان وكانت العائلة تعتمد على طبيخ ست البيت وليس على الاكل الجاهز ما عدا فطور يوم الجمعة والعطل فكات بالغالب فول وفلافل وحمص من المطعم(الفوال)

كانت المحبّة والالفة بين الناس اكثر بينما الاخ الموسر الان يأكل اخاه الفقير بل ولا يقف معه وقت الضيق وكان الرجل اذا توفي يزوجون ارملته لاخيه خوفا على الاولاد من الضياع وليس كما نسمع الان والعياذ بالله .كنت تجد في العائلة فرد لا يُصلّي بينما الان قد لا تجد احدا في العائلة يصلي وكذلك كنت تجد حتى المريض يصوم بينما الان اصبح الجميع فقط يحافظ على طقوس الإفطار حتى بدون صوم وكنت تجد الكثير يقرأون الفرآن ولو آيات منه امّا الآن فتجد الكثير لا يحفظون الفاتحة .

كنت تجد الكثير يذهبون للمشاركة في الغزاء وكانوا يشاركون في الطعام بما قُسم عند اهل المُتوفّى اما اليوم فتجد الكثير الكثير من الناس المنافقين عند عزاء الموسرين والاغنياء حتّى وان كانوا لايعرفون المتوفى او اي من اقاربه والمشاركة فقط نفاق للمسؤول او ميسور الحال .

كانت اذواق الناس مختلفة فكانت تهوى سماع اغاني القصائد الطويلة ويسمعون الاغاني الوطنية لعبد الحليم حافظ والعاطفية لفريد الاطرش والدينية والعاطفية لكوكب الشرق ام كلثوم وتسمع الشعر وتميّز بحوره اما اليوم فقد طغى عليهم اشعار نزار قباني مع جمالها والاغاني القصيرة العاطفيّة والرومانسيّة وتجد ابن وبنت السنتين يستطيع استعمال الاجهزة التكنولوجية بل والاستماع لاغاني تروق له .

كنت تسمع عن القليل من الفاسدين او حراميّة القطاع العام امّا الآن فالفاسدون منتشرون في كل الاماكن الفقيرة والغنيّة على حدّْ سواء ومكاسب الفساد والحرام ظاهرة للعيان بلا وجل وكان الفاسد ومن يحميه من الدولة يخجل ان يظهر بين الناس ولكنّهم باتوا هم قادة المجتمع وصانعي قراراته .

وكانت الاعياد قديما للصغار لها فرحة خاصّة عندما يشتري له والديه ملابس جديدة يقيسها ويضعها ليلا جواره ليلبسها في يوم العيد حيث نلم العيديات من اهل والاقارب ونشتري الحلوى والفقّيع ونذهب لنركب المراجيح وعندما نكبر قليلا نجلس مع الوالد لنقوم بواجب الضيافة للزوّار اما اليوم فكل من الابناء له حياة خاصّة به يقضي ايام العيد مع اصدقائه بطريقتهم الخاصّة

اللهم ارحمنا وعافنا واغفر لنا وكل عام وانتم بخير .

رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين)صدق الله العظيم

احمد محمود سعيد