مَنْ هُوَ الَذي سَيَخون الوطنْ !

بقلم الدكتور : رشيد عباس

سأُل (والأسئلة الموجه للفلاسفة تحتاج إلى دقة) الفيلسوف ألانجليزي توماس هوبز Thomas Hobbes)) يوما عن من هو الشخص الذي سيخون الوطن ؟ , فأجاب أنا شخصيا لا أحب السير في طريق ليس لها نهاية , ولا أحب العيش في دولة ليس لها حدود , وأحب من أدوات الترقيم علامة التعجب (!) , وأضاف قائلا الذي سيخون الوطن هو الشخص الذي سيلقي بمرآته من النافذة بعد أن يرى نفسه , لأنه عرف حقيقتها , وسيلحق بالمرآة بعد ذلك , ولن يجدها .

بصراحة لديَّ سؤال صعب هنا وهو : هل يوجد بيننا في هذا الوطن من سيخونه , لن أضع علامة استفهام(؟) على هذا السؤال , وسأضع علامة تعجب(!) , لهول الموقف , وعلماء اللغة قالوا علامة التعجب أقوى من علامة السؤال .

نعم يحق لنا أن نتعجب من الذين سيخونون الوطن , لان هؤلاء ليس لديهم ضمير قبل أن يبيعوه , وليس لديهم عنوان ثابت , هؤلاء سرقوا المكان والزمان , سرقوا صوت المواطن , سرقوا شواغر الدولة , اجلسوا شباب الوطن على الطرقات , وضعوا الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب , حجزوا الوظائف والمناصب لغير مستحقيها ,جلسوا في أماكن غير أماكنهم , وأخذوا زمان غير زمانهم , ومهما كانت الخيانة صغيرة أم كبيرة , سراً أو علناً , عملا أم قولا ... تبقى خيانة .

نقولها بصراحة يذهب كل شيء ويبقى الوطن ما بقيت السماوات والأرض ، ومهما كان عذرنا للخيانة ، فلا عاذر لنا ، والوطن لا ينسى من غدر به وخان ، الخيانة وجه قبيح لا يُجمله حتى أغلى أصناف المساحيق الفرنسية ، فالوطن والتاريخ لا يصفحا أبدا ، ويظلان يذكران الخائن حتى بعد موته , فهما لا يغفرا لخائن أبدا .

من يخون الوطن ليس منا , من يخون الوطن اخطر بكثير من أعداءنا , لان الأعداء يقفوا أمامنا , وهؤلاء يقفوا بيننا (وهنا مكمن الخطورة) , وجوههم ليس كوجوهنا , ومياه عيونهم جفّت , يصفقوا معنا ويهتفوا معنا للوطن , ولكن أية تصفيق وأية هتاف هم به , الوطن سيرفضهم , ويلاحقهم , وسيقلعهم من الجذور وسيزرع مكانهم , أشجار الوفاء والولاء , من يخون الوطن لا مكان له بيننا , هؤلاء سلعة تاريخ الانتهاء لها قد مضى , فالوطن يحتاج إلى رجال إلى معادن ليس لهم تاريخ انتهاء , لان هؤلاء أعمالهم وأثارهم باقية إلى يوم الدين , وأن توفاهم الله , أليس كذلك ؟