النسور يرمي الكرة في مرمى الشعب

وضع رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور المواطنين بين خيارين أحلاهما مر، للخروج من مأزق الموازنة، والضغوطات التي تمر بها.النسور خيّر المواطن بين رفع الأسعار للتخفيف من عجز الموازنة، أو تخفيض سعر صرف الدينار، وحاول التمهيد للفكرة، من خلال تضييق الخيارات أمام الناس، الذين حمّلهم مسؤولية كبيرة، هي بالأصل منوطة به وبحكومته.رئيس الوزراء ونتيجة التصريحات التي صدرت عنه، خلق حالة من الهلع والقلق لدى الأردنيين بمختلف شرائحهم الاقتصادية والاجتماعية، والذين بدأوا بتداول حديثه وتحليله ليخلصوا إلى نتيجة واحدة، أن التأني في رفع الأسعار غير وارد، وأن تردي الأوضاع الاقتصادية لم يعد من الممكن السكوت عنه، وعلى المواطن أن يتحمل، ويسلم بزيادة الأسعار كحل. بيد أن كلام الرئيس تضمن معلومات غير واقعية، فالحكومة لا تدعم البنزين بنسبة 100 % كما ذكر، بل ثمة تشكيك حيال حقيقة دعم الحكومة لهذه السلعة دون غيرها، كما أن ما تجنيه الخزينة من إيرادات الضرائب من المحروقات، غير معلن!للأسف، خطاب النسور "المعارض السابق" لم يختلف كثيرا عن حديث الرؤساء الذين سبقوه، فهو رمى كل الحمل على الناس، ولم يقدم لنا حلا واحدا تعكف حكومته على تطبيقه، لتخفف العبء عن شارع ضاق بالأعباء الاقتصادية.صحيح أن الاحتياطي الأجنبي تراجع خلال الأشهر الماضية، لكن المستوى العام لهذا المؤشر ليس بذلك السوء؛ إذ ما تزال قيمته قادرة على تغطية تكاليف مستوردات ثلاثة أشهر وعشرة أيام، بحسب المعايير العالمية.وأتمنى أن يتوقف حديث الرئيس عند حدوده، وان لا يخلق حالة من الهلع ستأتي بتأثير سلبي على الاحتياطي، فالمشكلة الاقتصادية لدينا اليوم هي نفسية بالدرجة الأولى، وما استعصاء الاستثمار، وتراجع حوالات العاملين في الخارج، إلا نتيجة الأجواء السائدة.كان يؤمل من الرئيس في أول لقاء متلفز له أن يقدم رؤية مختلفة وخطابا مختلفا عن الرؤساء السابقين، وأن يؤشر إلى مواقع الخلل، ويقدم رسالة حسن نوايا للمجتمع، بأن فكرة الإصلاح على حساب جيوب المواطن توقفت، ووضعت في ذيل قائمة الحلول.سأعيد تكرار الحلول الأخرى التي يلزم على الحكومات تطبيقها لحل المشكلة الاقتصادية قبل رفع الأسعار، وهي تقليص حجم الموازنة العامة، مراجعة بند النفقات، تطبيق زيادة رسوم التعدين، كشف الأرقام الفعلية لقيمة الدعم المقدم، الاعتراف بقيمة الإيرادات المتأتية من الضريبة على المحروقات.وأخطر من كل ذلك الاعتراف بفشل كل الحكومات في إدارة وتحرير سوق الطاقة، فمنذ سنوات ونحن نتحدث عن تحرير سوق المشتقات النفطية وبيعها مباشرة.ونجحت هذه التجربة في دول أخرى في تخفيض الأسعار، ومثال ذلك لبنان، حيث يستورد لبنان كامل احتياجاته النفطية، ويباع البنزين فيها اليوم بسعر أقل بقليل من الأردن، رغم أن الحكومة هناك لا تدعم قطاع الطاقة، ناهيك عن امتياز وحصرية المصفاة، الذي فشل كل وزراء الطاقة في تجاوزه.القضايا الأخرى التي لم يفتح الباب لعلاجها تتعلق بالمؤسسات المستقلة، قانون الضريبة، وتقديم سيناريوهات بديلة لزيادة أسعار الكهرباء بحيث يتم التركيز على كبار المستهلكين الذين ما يزالون يتمتعون بالإعفاء، وماذا عن إغلاق المحال والمولات والمطاعم مبكرا، ولم لم يتطرق أحد لفكرة السيارات الفردي والزوجي لتقليل فاتورة الطاقة، لماذا أخرنا وأهملنا تطبيق كل هذه الحلول، وذهبنا إلى أسهل الخيارات، لكن أعلاها كلفة في ظل الربيع العربي!الرئيس ألقى الكرة في مرمى الشعب، فهل سيسدد الأخير الفاتورة أم ماذا؟jumana.ghunaimat@alghad.jo