أما وقد أُشهر موعد الاقتراع للانتخابات النيابية في الثالث والعشرين من شهر كانون الثاني العام القادم ، وبات الموعد المضروب لا عودة عنه ، رغم معارضته من قوى سياسية ، فإن شهية الكثير من الراغبين للترشح للمجلس القادم قد فتحت ، وكالعادة ودون النظر لأي قانون أو أسس أو قواعد سياسية واجتماعية فإن كل من ظن نفسه أنه يملك بعض رهط على هذه الارض الطيبة ويرى ان له فرصة لجمع عدد من الأصوات فلن يردعه وازع عن الترشح ، ولكن هل يعقل ان يهرول كل من حلم ان يكون نائبا الى الترشح دون قواعدية محسوبة بناء على برنامج يخدم الوطن والدولة .
من هؤلاء الذين لن يتراجعوا عن عنادهم ، اعضاءً في المجلسين السابقين وهم يعلمون تماما أنهم وصلوا دون رغبة الناخبين وبطرق ملتوية ، وصدقوا أنفسهم ، وفرضوا وجودهم في المجلس تحت أغطيةٍ ومسميات عدة ، ولا يمكن بأي حال محترم أن يعودوا للمجلس القادم ، حتى لو حملهم الناخبون على أكتافهم الى العبدلي ، فالناس ملت غالبية الأسماء القديمة التي لم تنفع العامة في شيء ولم تدعم نزاهة حملة «محاكمة الفساد « ، ومنهم من دخل للمجلس بسرواله واليوم ينابز بملايينه وأملاكه ، دون سؤال من أحد .
يجب أن يعلم الجميع أن هناك أسماء لو عادت الى المجلس ستسبب الإساءة الى المجلس وعملية الانتخاب برمتها وما جرى من إصلاحات سياسية حتى الان ، حتى لو أنتخبهم الناس فعلا ، ونجحوا بكل نزاهة ، لأنهم سيبقون مثلا لعمليات التلاعب واستخدام المال في الوصول للمجلس ، وإذا كان ترشحهم للمجلس القادم هو وكعادة الجميع تحت شعار ( خدمة الوطن والمواطن ) فإنهم يخدمون الوطن والمواطن في عدم ترشحهم ، وعدم الاقتراب من هذه العملية ، لأن صابون نابلس لن ينظف صورة التاريخ غير المشرق لهم.
المشكلة حين تقرأ خارطة الانتخابات والدوائر في جميع أنحاء المملكة ، أنك لا تجد مشكلة التنافس في الأطراف وغالبية المحافظات ، بل تجدها فعلا في عمان ، ومن أسبابها ما هو سياسي ، ومنها ما هو «التصاق سياسي « لنظرية «اولاد الدولة « وكأن الأخرين هم أولاد الخادمة الأسيوية ، لذلك فإن عمان هي من تحدد اتجاهات التدخل غير المباشر في عملية الانتخاب ، لذلك بات كثير من المرشحين المفترضين في عمان السياسية تحت عدسة المجهر ، وخاصة في الدائرة الثالثة « المدللة « والدائرة الأولى ، فضلا عن القائمة الوطنية التي يجب أن تكون خالصة القيمة لا مال فيها .
وفي حالة العزوف عن الترشح من قبل نواب سابقين لهم تاريخ طويل في الحياة البرلمانية ومن قبل شخصيات سياسية لها وزن محترم ، فإن الفرصة سانحة لإنتاج وجوه جديدة تحمل فكراً وطنياً خالصاً ، ونحن نحلم بأن يكون المجلس القادم فسيفسائي يحمل مختلف الطبقات ويتنوع في خلفيات أعضاءه ، يجب أن يكون هناك متخصصون ومفكرون في القانون والقانون الدستوري والاقتصاد والسياسة الدولية والزراعة والصناعة ومختلف العلوم كي لا نترك للجهل مقاعد كثيرة وسط المقاعد الوثيرة التي تغري بالنوم .
يبقى القول أن القائمة العامة ـ الوطنية ـ هي الفرصة الأولى لإفراز شخصيات على مستوى الوطن ، في محاولة لإعادة الإحترام للشخصية البرلمانية الوطنية ، والتأسيس لمرحلة قادمة يكون الوطن فيها يوما ما قائمة واحدة كما نحلم ، فإذا فشلت التجربة الجديدة لن يغرينا الأمل في غد أفضل ، ومع هذا لا يزال هناك وقت لتوعية الناخبين بأن أهل المال لا يمكنهم شراء الذمم ، ولا شراء الزعامة حتى ولو حشدوا لبرامجهم أرقاما فلكية ، فهل يستطيعون فعلا وزن الناخب الشريف لشراء ذمته ؟ أشك في ذلك ، لا بل أجزم بلا !