الحكومة الجديدة ورثت تركة اقتصادية كبيرة وخطيرة من سابقتها ، والاخيرة ايضا ورثت تردي الاوضاع من سابقتها ، وهكذا ، سلسلة من التراكمات في الاخطاء والاختلالات الاقتصادية يدفع المواطن ثمنها ، بسبب غياب الحل الشمولي المستدام.
ها هو رئيس الوزراء د.عبدالله النسور يكاشف الراي العام دون مجاملة ودون تزوير او تلميع للموقف الاقتصادي للدولة ، ويحذر من ان المديونية العامة باتت اليوم تتجاوز كل الخطوط الحمر ووصلت الى مستويات غير امنة على الاطلاق اقتربت من التهديد الفعلي للاستقرار الاقتصادي للمملكة.
الدين العام تجاوز 70 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي ، وهو اعلى بعشر نسب عن ما هو محدد في قانون الدين العام، وعجز الموازنة يفوق المقدر باكثر من مليار دينار نتيجة ارتفاع فاتورة النفط ، واحتياطيات المملكة من العملات الصعبة هبطت بحوالي 37 بالمائة مقارنة عما كانت عليه بداية العام ، حيث بلغت الان ما يقارب ال6.8 مليار دينار ، والاوضاع الاقليمية وتردي الحالة السياسية في المنطقة وتنامي حركات الاحتجاجات والاعتصامات الداخلية لا تخلق مناخا جاذبا في بيئة الاعمال المحلية ، فكيف الخروج من هذا المازق الذي اذا ما استمر على نهجه الراهن فان الامور تسير للهاوية؟.
الخزينة التي تعاني من وضع مالي صعب في ظل تراجع المساعدات ليست ملزمة بتقديم دعم لما يقارب المليون ونصف المليون وافد وسائح للمملكة يتقاضون ما قيمته 500 مليون دينار سنويا ، والموازنة العامة التي تعاني من عجز يتجاوز المليار دينار ليست ملزمة على تحمل فاتورة دعم شريحة غنية في المجتمع يقدر عددها ب150 الف شخص يحصلون على اكثر من 60 بالمائة من قيمة الدعم الاجمالي .
لكن الحكومة مضطرة لتقديم كافة اشكال الدعم للشرائح الفقيرة والمتوسطة ، وهي معنية بتعزيز الامن الاجتماعي لتلك الشرائح والمحافظة عليها، لانها عماد الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في المجتمع.
الحكومة مطالبة بمكاشفة الراي العام حول حقيقة توجهات الدعم بالالية الراهنة ، حيث الجزء الاكبر منه يذهب الى غير مستحقيه ، وهم الشرائح التي ذكرناها سابقا .
حتى تخرج الحكومة من النمط التقليدي لادارة الدعم الذي اعتاد المواطن على مشاهدته وسماعه من الحكومات المختلفة ، وحتى تتعزز الثقة بالخطاب الرسمي في هذا الشان ، على الجهات الرسمية ان تبادر الى خلق مبادرات تنموية اجتماعية هدفها الاول والاخير امتصاص تداعيات رفع الاسعار وحماية الامن المعيشي للمواطنين .
هذا لا يكون الا من خلال حزمة امان اجتماعي يتلمسها المواطنون فعليا ، وتحافظ على كرامتهم وامنهم المعيشي دون المساس بجيوبهم ودخولهم المحدودة .
حزمة الامان تكون على عدة محاور تبدا بمراقبة الاسعار والحد من ممارسات بعض التجار ، ثم تحديد مبلغ نقدي يقدم للمستفيدين من الدعم يكون مبلغا كافيا يمنع بعض القوى التي تسعى لتوظيف احتياجات المواطنين التنموية من اثارة عدم الاستقرار والاستفادة في فرض اجندتها السياسية على المجتمع.
الحزمة الاجتماعية هي ايضا خطة اقتصادية تتعلق بضبط حقيقي ومرئي لنفقات الموازنة ، وتفعيل اكبر لصندوق تنمية المحافظات وشراكة ابناء الاردن في وضع تصوراته التنموية ، واطلاق خطة ترويج استثماري للمملكة باسس جديدة وبادارة حصيفة.
ما يعيب السياسات الاقتصادية الاردنية المختلفة المختصة بمعالجة عجز الموازنة ، انها كانت تعمل باسلوب القطعة بعيدا عن الخطة المتكاملة ، وقد اثبتت تلك السياسات انها فاشلة بامتياز ، والدليل على ذلك ان جميع الحكومات رفعت الدعم وارتفع العجز اضعاف ما هو مقدر ، الاردن بحاجة الى حزمة اجراءات متكاملة ، او بالادق الى خطة انقاذ اقتصادي شاملة .