في ظلال الأضحى

دار حوار بين أبٍ وابنه ، الأبُ هو إبراهيم نبيُّ الله وخليله شيخ ٌكبير جليل . 
والابن هو إسماعيل الفتى الحبيب الأثير وحيدَ أمّه وقرّة عين أبيه وساعدَه الأيمن .
يا بنيّ : إنّي أرى في المنام أنّي أذبحُك . فانظُر ماذا ترى ؟ ــــ ورؤيا الأنبياء حقّ ــــ .
فأجاب الابنُ البارُّ صابراً محتسبا مستسلما لأمر والده الذّي أدرك بفطرته أنّه أمرُ الله .
يا أبتِ: افعل ما تُؤمر . سَتجدُني إن شاءَ اللهُ من الصّابرين .
وكان هذا المعنى والذّي حمل العيد اسمه مُتَمثلا أسمى القِيَم وأعلاها وأجلّها ـــ التّضحية ــــ . فكلّ فعل خيّر يحتاج إلى نوعٍ من التّضحية .... بالوقت ، المال ، الجهد ، أو النّفس . وأعلاها وأجلّها ، التّضحية بالنّفس ... فالجودُ بالنّفس أسمى غاية الجود ، لذلك كانت الشّهادة أعظم القُرُبات ، ففي الحديث ( يُغفر للشّهيد مع أوّل دفْقةٍ من دمه ....... ) ومنزلة الشّهداء عند الله في علّييّن مع النّبيّين والصّدّيقين . وكلُ امتناعٍ عن عملٍ شرّير يلزمه شيءٌ من التّضحية .... من كبتِ شهوة والسّموّ بها ، أو تفويت مصلحة واحتسابها ، أو حرص على وقتٍ ، جهد ، مال أو نفس .
والطّاعة لأمر الله من تلك المعاني ، سواء من الأب أو الابن ... رغم أنّ الأمر جاء في المنام وليس في اليقظة ، مع ما فيه قسوة ظاهرة ، فمن منّا يتخيّل أنه يَذبح بيده ولده الحبيب الّذي جاء على كِبَر وبعد طول انتظار .
ومنها برّ الولد بوالده وطاعته له لعلمه انّه يقوم بذلك امتثالا لأمر الله . وإلاّ فانّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فبرّ الوالدين من أجلّ الأعمال وأكثرها أجرا , فقد سُئل رسولنا عليه الصّلاة والسّلام : أيُّ الأعمال أحبّ إلى الله فقال: الصّلاة على وقتها قال ثمّ أيٌّ قال : برّ الوالدين ، قال ثمّ أيٌّ قال: الجهاد في سبيل الله .
ومنها أيضا فقه الأولويّات والبدائل ، فالأولويّة كانت طاعة الله وتصديق نبيّه وإغفال النّتائج والعواطف والانفعالات البشريّة والرّحمة الّتي ألقاها الخالق في قلوب البشر ... والدّوابّ . وما تجرّد البعض من الإنسانيّة والرّحمة إلاّ لأنّهم ارتكسوا وانحدروا إلى ما دون مرتبة البشر والدّوابّ ... وكان البديل ، الجائزة ( وفديناه بذبح عظيم ) فالله أرحم بالعبد من نفسه، ولكنّه يريد اختبار صدق الأب وتصديق الابن ( وهو اعلم بهما ) وبذلك استحقّ الأبُ الّلقب ( واتّخذ الله إبراهيم خليلا ) واستحقّ الابن أن يكون ( واذكر في الكتاب اسماعبل انّه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيّا ) .
ومن أعظم هذه المعاني الوحدة والمساواة بين البشر كافّة ( كلكم لآدم ، وآدم من تراب ) وكذلك ( إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا ) فيتساوى النّاس في الملبس والمكان والأفعال في أيام معدودات.فالعرب والعجم والأبيض والأسود والرجل والمرأة يجتمعون معا يعبدون ربا واحدا ويقومون بأعمال واحدة .
ولم يحجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ مرّة واحدة سُميّت بحجّة الوداع حيث قال (فلعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا ) وفي هذا درس بأنّ الله فرض الحجّ مرّة واحدة وما عداها سنّة ، لذلك أشاح الرسّول بوجهه عمّن سأله ( أفي كلّ عام يا رسول الله ، كرّرها مرارا ، فقال : لا . ولو قلتُ نعم لوَجَبت ) فهل يستوعب الذّين يحرصون على الحجّ كلّ عام ولو باستعمال أساليب ووسائل غير شرعيّة ، آخذين حقوق آخرين لم يؤدّوا الفريضة . وبإمكانهم وضع هذه الأموال في وجوه أُخرى للخير . تقبّل الله من الجميع ، من لبوا نداء إبراهيم عليه السلام ومن ينتظرون متشوقين أداء الفريضة .