الملك وأطماع الربيع

  
يظن الطامعون أن مؤسسة الحكم قد وقعت تحت تأثير غلبة الدين وقهر الرجال وأنها لهذا قد ضعفت ،وضاع الجاحدون وضلوا في متاهات ذلك الظن، وتجاهلوا الدفعة الأولى من الإصلاحات عالية الجودة التي أنتجتها حركة التصحيح التشاركية بين شرفاء الوطن ومؤسسة الحكم ،وعلى رأسها التعديلات الدستورية والانتخابات البرلمانية والمحكمة الدستورية والانجازات الكبيرة في مجال مكافحة الفساد وتوقيف المتورطين في السجون إضافة إلى الإعلان الملكي الأخضر عن قرب الوصول إلى مرحلة الحكومة البرلمانية المنتخبة . 

لم يضع الطامعون حدا للكفاية،وكان للمصطادين في الماء العكر مآرب مشبوهة أخرى مع حلول الربيع الأردني لا قيمة لها في ميزان الإصلاح والتغيير وبعيدة عن شيم الأردنيين ومكارم أخلاقهم فتطاولوا على مؤسسة العرش ومسوا الوحدة الوطنية .ومارسوا لبلوغ أهدافهم أبشع صور التعبير ولوثوا خلالها صفو الإصلاح ،وشوهوا نقاء صورة المسيرة الأردنية ،واستخدموا ما وقع بأيديهم من أدوات التغيير استخداما مزيفا تافها تمحور حول مكاسب شخصية متناهية الأنانية ، حتى وصل الأمر الى إقامة المسيرات والإضرابات وتخريب الممتلكات العامة واغتيال الشخصية وقطع الطرق والاعتصام ، لإرغام أجهزة الحكومة على الرضوخ لتحقيق مطالب إدارية بحتة ،اتخذت طابع المكاسب الفردية في اغلب الأحيان ،او للاحتجاج على قرارات عادية كانت تنفذ بلا ضجيج في مرحلة ما قبل الربيع، .وارتبطت في كثير من الأحيان بحالات روتينية كالإحالة إلى التقاعد والتعيين والنقل ونقص الخدمات ،ليس هذا وحسب، بل لقد حشروا تصفية الحسابات الشخصية وجنون الشجار العشائري في الربيع المسكين ، فتشعبت المطالب، وتشتت الحراك، وتفتتت معه جهود الدولة ،وفقدت تماسكها على نحو شل قدرتها على جدولة الأولويات الديمقراطية التي كان من المفترض أن تقودنا للوصول إلى مرحلة قطف ثمار الربيع ناضجة وبلا نكد أو كبير عناء.
لن يمتلك الطامعون والمهرولون شيئا وقد أنهكوا أنفسهم في تقطيع الحراك ،والإلحاح بتنفيذ شروطهم التعجيزية ،وإمعانهم بوضع العراقيل، وفي مناكفة مؤسسة الحكم للحصول على لبن العصفور ،وستقع مخططاتهم النمرودية صريعة جراء الإنهاك الشديد، فكلما استجاب جلالة الملك لمتطلبات الربيع الأردني كلما تاهوا ،وطلبوا المزيد والمزيد ،وفي الأدب القديم قيل (أن ملكا أراد ذات يوم أن يكافئ أحد مواطنيه تعبيراً عن امتنانه فقال له : سأملكك من الأرض كل المساحات التي تستطيع إن تقطعها سيراً على قدميك .. فرح الرجل وشرع يذرع الأرض مسرعاً ومهرولاً في جنون . سار مسافة طويلة , فتعب وفكر أن يعود للملك ليمنحه المساحة التي قطعها . ولكنه غير رأيه وقرر مواصله السير ليحصل على المزيد .. سار مسافات أطول وأطول وفكر في ان يعود للملك مكتفياً بما وصل أليه .. لكنه أيضاً تردد مره أخرى وقرر مواصله السير ليحصل على المزيد والمزيد , ظل الرجل يسير ويسير ولم يعد أبداً .. فقد ضل طريقه وضاع في الحياة ويقال أنه وقع صريعاً من جراء الإنهاك الشديد .. لم يمتلك شيئاً ولم يشعر بالاكتفاء والسعادة , لأنه لم يعرف حد الكفاية والقناعة) fayz.shbikat@yahoo.com