هل تعاني التربية من حمولة زائدة ؟

يسود اعتقاد عام بأن وزارة التربية والتعليم، تعتبر في مقدمة الأجهزة الحكومية التي تعاني من ضائقة في احتياجاتها الرئيسية من مدارس ومعلمين ومعلمات، وغيرها في تعاملها مع أكثر من مليون ونصف المليون طالب وطالبة يتزايدون بين عام وآخر، الى حد التعاطف معها في موازنتها السنوية التي ترواح حول سبعة بالمئة من الموازنة العامة للدولة في حين أن الطرق والانشاءات تبتلع ما يزيد على سبع عشرة بالمئة منها، ما ألقى بتساؤل مشروع حول الاختلال في أولويات الانفاق الحكومي، وفيما إذا كان الدور التربوي متأخرا على سُلّمها مع أنه قد يكون الأساس في البناء الوطني ! .
يبدو أن الأرقام التي توصلت اليها الدراسة التي أعدها المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية لصالح وزارة التربية والتعليم وتم اعلان نتائجها قبل أيام، قد تنسف الكثير من المسلمات المزمنة عن القطاع العام الحكومي في الميدان التربوي والتعليمي، بعد أن أظهرت أنه يعاني من "غزارة في الانتاج وسوء في التوزيع" يذكرنا بالطرفة الشهيرة عن الفيلسوف الانجليزي "برناردشو" حينما سئل عن سر صلعته الواسعة قياسا على انتشار الشعر الكثيف في مختلف انحاء جسده ! .
ربما تكون المفجأة الأهم في هذا السياق، أن مدارس وزارة التربية والتعليم التي تشهد أزمة نقص في المعلمين والمعلمات مع بداية كل عام دراسي جديد، يوجد فيها فائض من هؤلاء يزيد عددهم على ستة عشر ألفا على الأقل، بل إن تقديرات الوزارة ذاتها تتجاوز ذلك بكثير لتؤكد أن الحاجة الفعلية لمدارسها من الكوادر التعليمية لا يزيد على ستين ألفا من بين حوالي تسعين الفا هم كامل طواقمها حاليا، وأن العوامل التي تقف وراء ذلك هي السياسات الخطأ في البناء العشوائي للمدارس منذ عقود، يرافقها تضخم في الهيئات التدريسية الزائدة من خلال عمليات نقل وتحويل في المسميات الوظيفية من دون وجود شواغر فعلية ! .
لكن هذا الفائض في أعداد المعلمين والمعلمات في مدارس التربية لا يشكل سوى نصف الحقيقة، اذ ان النصف الآخر يتمثل في أبلغ صور سوء التوزيع للموارد البشرية، حيث بينت الدراسة أن عدد المدارس الحكومية المكتظة بلغ 1244 مدرسة بنسبة 36 % فيما بلغ عدد المدارس غير المستغلة 1891 مدرسة بنسبة 55 %، ما أدى الى ارتفاع كبير في أعداد الطلبة في الصف الواحد قياسا بـ عدد المعلمين ليزيد عن المعدل الوطني البالغ ستة عشر الى واحد ويصل الى اثنين وعشرين، في حين ان مدارس عديدة اخرى في بعض المناطق البعيدة والنائية التي لا توجد فيها كثافة سكانية يتراوح عدد الطلبة فيها للصف الواحد الى ما لا يتجاوز العشرة طلبة ! .
احصائيات مثيرة كشفت عنها دراسة المركز الوطني للتنمية البشرية لتبرز مدى الخلل الذي يعاني منه قطاع التربية والتعليم الرسمي ويفترض فيها ان تؤدي الى مراجعة شاملة له من جميع الجوانب، ولعل ما يستحق التوقف عنده مطولا ان نسبة المدارس الحكومية التي لا توجد فيها اي مختبرات للعلوم مهما كان مستواها تصل الى اربعين بالمئة من بين 941 مدرسة توفرت عنها معلومات في حين ان ما يزيد على عشرة بالمئة من الطلبة ليس لديهم اي مختبرات حاسوب، ما يعني ان الهوة كبيرة بين ما يتم تدريسه لفلذات الاكباد ومعطيات العصر المتسارعة التي لا تقف عند حدود ! .