لن أرضى عنك


عندما نتحدث عن الإصلاح ومكافحة الفساد فإننا نضع اللوم على الآخرين وليس من المعقول أن نضعه على أنفسنا ، فنحن دائما لا علاقة لنا بهذه الأمور ، فهي من اختصاص الوزراء والمسؤولين ، والشعب من هذه المواضيع مسكين و بريء ، فهو لا يملك سوى الإتهام حتى وإن فقد الدّليل .

في أيّام ماضية كنت أقوم بالإتصال مراراً وتكراراً على شخص أعرفه وهو لا يجيب ، ويتعذّر باستمرار بأن هاتفه لم يكن بحوزته أو أنه على الوضع " سايلنت " ، أمر طبيعي للوهلة الأولى ولكن تكراره يثير الشكوك ويجعل علامات الإستفهام تحوم في أرجاء الفكر والدّماغ ، استمرت الأيام ومضت السّاعات والدقائق وأصبحت عندما أقوم بالإتصال عليه يجيب قبل الرّنين في غضون الثواني وأجزائها ، عندها لم يعجبني أيضا ردّه السّريع ، وأصبحت ألقي عليه اللوم والعتاب لأنه عجول متسرّع وأنا لا أريد إلا التوسط والإتزان .

هكذا هم الناس ، إرضاءهم غاية صعبة المنال ، والوصول إلى إقناعهم جميعا في الخيال عنوان ، فلا بدّ من فئة مؤيدة ومعارضة ، موافقة ورافضة ، فهو أمر ليس بالمقلق بل هو من أساسيات التفوّق والنّجاح .

التوسط والإعتدال هو الأمر الذي نبحث عنه دائما في مختلف المجالات والأصعدة، فهو الخيار الأمثل لإرضاء الفئة الأكبر ، لأنّ التشدد لن يرضي إلا المتشددين ، والرّخاء المطلق لن يرضي إلا المتساهلين ، فالإعتدال هو العنوان الجميل .

مسيرة الإصلاح ماضية في طريقها ، وهذا الطّريق ليس مليئا بالأحجار الكريمة والألماس ، فلا بدّ من عواقب وعثرات ، ولكنّ تجاوزها يكون بانتهاج الطرق العقلانية ، وبعدم التّخلّي عن المسؤولية ، فالجميع شركاء ولا يجوز التفلّت والإنسحاب ، فلنصلح أنفسنا عندها سيصلح المجتمع وسننعم بالإصلاح الحقيقي الذي نريد ، فمؤسساتنا بناتها مجتمعنا ، وإن صلح المجتمع كلّ في مكانه صلحت هذه القواعد وعلت في فضاء النّزاهة والشفافية بعيدا عن السّرقة و" الحرامية ".