المُعَلِمْ...؟


- هو عرفات حجازي ،رحمه الله وأسكنه فسيح جناته .
- عذرا يا أبت ، يا معلمي وقدوتي ، فقد شاءَت الأقدار أن تحرمني شرف حمل نعشك والقيام بواجب عزائك ، لكنك تعلم يا أبا محمود ، أنك لست مجرد ذكرى أو دمعة حزن تُذرف ، فأنت ضمير القلم يدعوني لتجاوز الموت كونه الحقيقة الوحيدة المُطلقة ، لأن كل حي مآله إلى الله الرحمن الرحيم ، الذي أصبحت يا معلمي في ذمته ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
- الصحافة والإعلام تحضراني اليوم في حضرة الشاهد الشهيد عرفات حجازي ، كما علمني إياها وللكثيرين من القابضين على جمرها ، فهي مهنة التنوير أو التدمير ، وشتان بين الصفتين في زمن اللامعقول الذي نعيشه ، وقد أصبح التدمير يسكن معظم العقول ، وقد أودعتك يا سيدي رب العقول ، لأذهب مدافعا عن مهنة التنوير خشية عليها من الوساس الخناس ، الذي يسكن عقل صديقي اللدود فاقد الدهشة ، الذي ما فتئ يَزِّنُ عليَّ ليثنيني عن مبدأ التنوير فيما يخط القلم ، متذرعا بصعوبة ظروفي المالية ومؤشرا على ما ينعم به الرويبضة من المال والحظوة والشهرة ، الذين حوّلوا القلم إلى مصيدة وأداة للإبتزاز عبر محاكمات للأشخاص ، الشركات ، المؤسسات ، رجال المال والأعمال ، وهي محاكمات بتهم ملفقة وصورية على الورق ، النت ، الألكترونيات والمايكروفات ، لكن نم قرير العين يا أستاذ عرفات ، فتلاميذك ما يزالون على العهد ، ينظرون بذات المنظار التنويري الوطني الذي غرسته أنت والآباء الأوائل فينا، منذ مطلع سبعينات القرن الماضي.
- فما نزال نرى أن محاكمة الأشخاص إستحقاق قضائي بإمتياز ،لا يجوز القفز عليه لأي سبب كان ، هذه قناعتي التي تربيت عليها في بلاط صاحبة الجلالة ، وعلى يد المعلم المغفور له بإذن الله الأستاذ عرفات حجازي ، يوم كانت الصحافة الأردنية رسالة وعمل وطني له حضور ويحظى بالإحترام ، كما كان للصحفي هيبة ويُحسب له ألف حساب ، من قبل المسؤولين على مختلف المستويات ، رُغم الأحكام العرفية وقرارات الدفاع وكشرة قادة الأجهزة الأمنية وتجهمهم ، وفي زمن كان يُمنع فيه أي لغط حول القضاء، أدفع بهذا القول في حمأة غضب صديقي اللدود فاقد الدهشة ، الذي يُحرض على بعض رموز المعارضة الأردنية ، بعد فتح الحاوية ونبشها وعثوره على مقززات في تاريخ بعض تلك الرموز التي تمتطي صهوة الشارع ، ولا تتوانى عن الضجيج والصراخ ، شق الجيوب ودق الصدور ، التباكي وذرف دموع التماسيح على الإصلاح ،وما يزال فاقد الدهشة اللعين يحاول فَتْلَ عقلي ليورطني بمقال ، أنشر فيه ما حصل عليه من معلومات موثقة حسب إدعائه وعلى ذمته التي تُحيط بالكرة الأرضية ، لكن الغريب هذه المرة ورُغم صراعي المرير مع مصداقية فاقد الدهشة ، وجدتني أقف مذهولا من هوّلِ ما قرأت وسمعت ، من تلك المعلومات والوثائق التي أطلعني عليها فاقد الدهشة .
- ورُغم الصورة المُشوّهة للمشهد الإعلامي والصحفي في زمن الرويبضة الطاغي ، سأبقى قابضا على جمر الصورة الناصعة لمعنى أن تكون صحفيا أو إعلاميا وطنيا أردنيا ، تُؤثِرُ مصلحة الوطن على كل مصلحة شخصية ، حزبية ، فئوية أو جهوية ، حتى لو خسرت ماليا أو سبقا صحفيا مُلعلعاً أو شُهرة، هذه الصورة التي طبعها ورسّخها في عقولنا المُعلمون والآباء الأوائل ، الذين أسسوا الصحافة والإعلام الأردني ، رجال ونساء صدقوا ما عاهدوا الوطن ، غالبيتهم رحلوا إلى عليين نترحم عليهم ، كما نترحم اليوم على أول نقيب للصحفيين الأستاذ المرحوم عرفات حجازي، وقلة ندعوا لهم بالصحة وطول العمر ، وهو ما أدى إلى فتور العلاقة مع فاقد الدهشة لرفضي طلبه ، ولإصراره على نشر ما لديه من معلومات ووثائق ، ورفضه الذهاب بما لديه من معلومات ووثائق إلى النائب العام والجهات القضائية المختصة .
- صحيح أنني أعمل على تفنيد وربما تشريح ، منهجيات، إرتباطات ، أجندات وأهداف بعض قوى المعارضة ذات المواقف العدمية ، وأذهب إلى محاكمتهم سياسيا من وحي إدراكي لمدى المخاطر التي تُحيق بالوطن ، السياسية ، الإقتصادية ، ألإجتماعية ، الإقليمية والدولية . أما إن توقفنا عند أوضاعنا السياسية الداخلية فهي أبسط مخاوفنا ، فإن إستثنينا ثلة لا تتعدي أصابع الأيدي والأرجل ، فالشعب الأردني بكليته يحرص على الملك والنظام السياسي ، وإن كان يريد البعض المزيد من الإصلاحات الدستورية التي تفضي لحكومات برلمانية ، تتمتع بولاية عامة مصدرها الشعب وعبر صناديق الإقتراع ، فهو أمر ينادي به الملك كما هو الشعب بكليته ، لكن بدون حرق للمراحل أو قفز على الحواجز لما في ذلك من مخاطر ،هكذا ينحصر الإختلاف بين الشعب والدولة بالتوقيت وتهيئة الناس حتى يصطفون في أطر حزبية سياسية برامجية ، بإمكانها تحديد مسارها في الحكم أربع سنوات على برنامج متكامل تُنتخب على أساسه ، وهنا علينا أن نتوقف عند الحالة الحزبية في الأردن ، لنسأل من هو الحزب الساسي البرامجي في الأردن الذي بإمكانه إنجاح أكثر من نائب أو نائبين في أحسن الأحوال من أصل 150 نائباً غير جماعة الإخوان المتأسلمين...؟ ، وهل يُعقل أن تتحدى الدولة أزيد من 90 بالمئة على أقل تقدير من الشعب ، الذي ما يزال بين صفوقه من يرى في التحزب خيانة للوطن...؟ ، كي تُرضي الإخوان ومن ثم تُسلمهم سدة الحكم ،بتعديل قانون الإنتخاب لصالحهم...؟
- لكن عند الحديث عن رموز المعارضة كأشخاص في الحياة الإجتماعية أو المعاملات المالية والإقتصادية ، فلهم كل التقدير والإحترام كأهل وطن لا يحق لأحد أن يزايد عليهم ، أو يعمل على إقصائهم في غير سياقهم الحزبي ، الأيدولجي حين تتناقض المواقف الوطنية وتتضارب الرؤى ، وشريطة أن يبقى الإختلاف سلميا حضاريا حتى وإن كان من باب تناقض المصالح ، أما للرد على صديقي اللدود فاقد الدهشة ، فيما يريده من محاكمة للأشخاص ، فإنه ليس ديدننا وليست مسؤولتنا ، ونقدنا مهما يكن قاسيا هو لنهج سياسي ، نخشى إن تحققت أهدافه ووصل إلى الحكم في الأردن ، سيضيع الأردن كما ضاعت فلسطين ، أو سيصبح الوطن البديل لا محالة ، وسيقرأ الأردنيون والفلسطينيون ، العرب والمسلمون الفاتحة على روح حق العودة ، كما نقرأها اليوم على المعلم عرفات حجازي، فهل وصلت الرسالة يا أُلي اللألباب...؟.
نبيل عمرو-صحفي أردني
nabil_amro@hotmail.com