رسالة مفتوحة إلى الرئيس
الأخ العزيز الدكتور عبدالله النسور ،
تحيّة طيبة وبعد،
فإنني من بين الكثيرين، وجدتُ في تكليفك رئاسة الوزراء، ما يجعلني آمل بإدارة سياسية كفؤة لهذه المرحلة الحساسة من تاريخ بلدنا. ورغم أن فترة حكومتك قصيرة من حيث الزمن، فهي بالغة الأهمية من حيث المهمات. ولدي الشعور بأن لديك من حصافة الفكر وقوة الشكيمة على التصدي لها، بل إن لدي من الودّ الذي تعرفه نحوك ما يجعلني ألحّ عليك بأن تخرج من الحكم رافع الرأس.
القضية المركزية التي تواجهها الدولة الأردنية اليوم هي قضية إدراج العملية السياسية برمتها في سياق وطني هدفه تجديد الدولة وليس تدميرها. والمفصل الرئيسي ، هنا، هو النجاح في إجراء انتخابات ذات صدقية من حيث الإجراءات والنزاهة، لكن، بالأساس، من حيث الأجواء السياسية.
ولديك الآن، كما يمكنني أن أتوقّع، شحنة تركّز على سردية للأزمة تتعلق بمشاركة الإخوان المسلمين. ولا ضير، بالطبع، من المحاولة ـ التي أرجو ألاّ تسمح لسواك ، من موقع الولاية العامة، بالخوض فيها ـ لكن دون ضجيج أو عروض تمسّ السير نحو الانتخابات أو تحبط المشاركين الخ أما السردية الحقيقية للأزمة، فهي، في الحقيقة، تلك المتعلّقة بالحراك الشعبي في المحافظات. ففي عهد سلفك، ازدادت الهوة بين الحكم وشباب الحراك، أنهى التفاهمات الوطنية وأوقف كل مسارب الحوار وانتهى باعتقالات طالت رفاقنا الأحباء في الطفيلة والكرك، مما دفع بالجو السياسي الشعبي إلى الاحتقان. إن المبادرة السياسية الجوهرية التي يمكنك القيام بها اليوم هي إطلاق سراح شباب الحراك الشعبي وقفل جميع الملفات المفتوحة ضدهم واستقبالهم في مكتبك في الدوار الرابع إيذانا بفتح أبواب الحوار بين الحكم والحراك، وإعادة ضبط إيقاع العلاقة في السياق الوطني.
قام الحراك بالأساس، يا دولة الرئيس، احتجاجا على مؤسسة الفساد ونهب أموال الدولة والخصخصة وإفقار وتهميش المحافظات. فانظر أيّ معنى يترسب في وعي مئات المناضلين الشباب الحراكيين عندما يُقفَل باب محاسبة الفاسدين على ما نهبوه من مقدرات الوطن، والسعي بالمقابل إلى وأد الاحتجاج الشعبي المشروع؛ وانظر أية مفارقة وطنية تلك التي تبقي الفاسدين أحرارا طلقاء متنعمين بما نهبوه أو خرّبوه، بينما تضم السجون شبابا أبرياء مخلصين لوطنهم وشعبهم تملّكهم الغضب لتجاهل مطالبهم وتجاهل إفقار مجتمعاتهم وتهميشها اقتصاديا وسياسيا؟
اطلق سراح رفاقنا وحاورهم واذهب معهم إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم ومضاربهم، وليتركز الحوار حول مشاركتهم في العملية الانتخابية كمرشحين عن الحراك وعن المحافظات، بحيث يكون لدينا في البرلمان المقبل، كتلة حراكية تتابع قضايا محاربة الفساد وتنمية المحافظات.
هذا هو جوهر المهمة الوطنية المنتظرة من حكومة واتتها الفرصة لإعادة ضبط إيقاع البلد من الانفلات والفوضى. اشتغل مع " الإخوان" حتى وأنت تعرف أنه طريق مغلق، لكن ركّز على الطريق المفتوح مع الحراك الشعبي، لا تترك الشباب للتطرف في ظل ظروف إقليمية مفتوحة على الاحتمالات الصعبة. هذا هو التحدي الآن. ودعني، هنا، أهمس في أذنك، حين تلتقي " الإخوان" بعد الافراج عن الحراكيين وتحاورهم، سيكون موقفك أقوى 100 مرة؛ فكما تعلم نصف قوة " الإخوان" تضخمت بسبب الهوة التي نشأت بين الحكم والحراك.
على الهامش، هناك قضيتان سممتا الأجواء في عهد سلفك، قانون المطبوعات، ويمكنك أن تعلن أن الحكومة لن تستخدمه حتى تستقيل لصالح الحكومة البرلمانية، ودعوة الإعلاميين للمشاركة في الحملات الانتخابية لتكوين رأي عام بين المرشحين لتعديل ذلك القانون من قبل البرلمان المقبل. أما القضية الثانية، فهي بين يديك: ابطل جميع التعيينات الاستنسابية أو التي تعتريها الشبهات فورا، خصوصا في المؤسسة التي تعني مستقبل الأردنيين، أعني الضمان الاجتماعي.
وأختم بأن نجاحك، يا دولة الرئيس، في مهماتك الوطنية الكبرى، يتناقض كليا مع التورّط في قرارات اقتصادية أو إدارية ينبغي أن تكون من مسؤولية الحكومة البرلمانية؛ ذلك أن التورّط في أية قرارات كتلك، عدا عما سيخلقه من مناخ محتقن، سوف يلقي بظلاله على جدية العملية السياسية، فأي دور سياسي للانتخابات ونتائجها، سيبقى إذا ما تقررت سياسات اقتصادية قبل إجرائها؟ فلنترك تلك السياسات للسجال الانتخابي وصناديق الاقتراع والحكومة البرلمانية. أرجوك لا تتورّط.