النسور رئيسا

حنكة في الحوار ، يسنده هدوء في الكلام ، وحجة في الإقناع ، رغم حدته في الخطابة لكنه مسنود بنظافة اليد

لن نأتي بجديد إنْ قلنا إنَّ شخصية الرئيس المكلف د.عبدالله النسور كانت غير متوقعة ، وأجزم أن "أبا زهير" تفاجأ مثلنا ولم يعلم بتكليفه إلا في اللحظات الأخيرة، لكننا جميعا كنّا نعتقد بأن الرجل منذ سنوات أصبح مؤهلاً لعضوية نادي الرؤساء لما يتمتع به من سيرة مهنية عالية ، وتأهيل علمي رفيع وخبرة اقتصادية وسياسية (7 حكومات 4 مجالس نيابية) أكسبته خبرة حياتية إضافة إلى مواهب ومواصفات شخصية يعرفها الجميع، حنكة في الحوار ، يسنده هدوء في الكلام ، وحجة في الإقناع، رغم حدته في الخطابة لكنه مسنود بنظافة اليد.
لقد حدّد كتاب التكليف السامي خطة عمل الحكومة ، لكن الرئيس المكلف سيجد نفسه أمام مهمتين أساسيتين وعاجلتين الأولى اقتصادية، وتتعلق بالعمل الفوري لتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن الأردني أو على الأقل منع تدهور حالته الاقتصادية كمرحلة أولى، وهذا يعني أن على الرئيس وفريقه أن يتركوا سياسة العبث في جيوب المواطن وخاصة الفقراء منهم ويجدّوا في البحث عن الحلول المناسبة التي تقنع المواطن الأردني أن أوضاعه المعيشية ستتحسن وسيلمس ذلك من خلال واقع حياته اليومية، وهو تحدٍّ كبير لم تستطع حكومة الاقتراب منه.
المهمة الثانية تتلخص بمحاولة استعادة جماعة الإخوان المسلمين من الشارع وإعادة دمجهم في العملية الانتخابية والسياسية وهي مهمة صعبة وشبه مستحيلة، لكننا نعتقد أن مساحة الود والثقة بين الطرفين كبيرة خاصة و أن النسور مدح الإسلاميين ، وكان الأقرب إلى مواقفهم في مسيرة وسط البلد الجمعة الماضي.
لكن يجب ألا ينسى (أبو زهير) الأردنيين ويركز على الإسلاميين فقط ، بل عليه أن يقترب من الأحزاب السياسية كافة ومن الأردنيين ويحاول استعادتهم وينقل حوارهم من الشارع إلى المؤسسات الدستورية وعلى رأسها البرلمان ومؤسسات الدولة ووسائل الإعلام ، وهذا يحتاج إلى عقد تفاهمات مع الحراكات الشعبية تلبي جزءا من مطالبها الإصلاحية والمعيشية وإذا لم يستطع فإن المطلوب منه -على الأقل - جعل الشارع هادئا.
وعلى الجانب الآخر من المعادلة فإن مهمة الرئيس ستكون محفوفة بالمخاطر والمصائد ـ لا سيما أنه معروف بمواقفه الحادة من الحكومات وحجبه الثقة عن الحكومات الأربعة التي صادفها تحت القبة في السنتين الماضيتين، وزاد على ذلك التعامل بقسوة مع الرؤساء الأربعة ووجّه لهم كلاما قاسيا.
فقد طالب معروف البخيت بأن تكون الأجهزة الأمنية وراءه وليس أمامه، وألا يُسيِّر حكومتك إلا جلالة الملك"، وأما فايز الطراونة فقد وصفه "بعراب المحافظين وشيخهم" وكذلك طالب بمحاكمة سمير الرفاعي عن تزوير الانتخابات النيابية الأخيرة وهاجم عون الخصاونة وأعاب عليه المحاصصة العشائرية وتناقض تصريحاته وتجاهله لـ 3 محافظات.
هذا سجل حافل في الصدام سيجعل خصومه كثرا، ويطلق الصالونات السياسية للعمل ضد حكومته ، خاصة أنَّ مواقفه كانت خلال السنتين الماضيتين أقرب إلى المعارضة من الموالاة ، وهي قضية سيطالبه الشارع بالتمسك بها وعدم التراجع أو الانقلاب عنها وتنفيذ الأفكار والشعارات التي كان يرفعها في وجه أقرانه من رؤساء الحكومات، فهو كان معرضا لقانون الانتخاب واقترح خطيا إدخال تعديلات تضيف مقعدا برلمانيا ثالثا، و كان ضد قانون المطبوعات المعدل ووصف من وضعه " بقصير النظر وصبّ الزيت على النار".
الرئيس الجديد يعرف معنى الحريات العامة وجرّب شخصيا الامتناع عن لقاء الناس وهو نائب ، وشكا من ذلك وهو يعرف أهمية الإعلام ودوره في العملية الديمقراطية، لكن المرحلة ليست سهلة والطريق أمام الحكومة لن تكون مفروشة بالورود ، والإقامة في المعارضة غير الإقامة في الحكم، دعونا نرَ الفريق الوزاري ونرَ أفعاله لنحكم عليه.