حكومة برلمانية أم برلمان حكومي؟
ما زالت صيغة الحكومة البرلمانية تطرح من وقت لآخر وتراود كثيرين بالرغم من عدم توفر شروطها ابتداءً بالبرلمان الحزبي الذي يحوي أغلبية لحزب ما ، أو لائتلاف أحزاب يشكل أغلبية.
في هذه الحالة فإن الحكومة البرلمانية تصبح تحصيلا حاصل ، فلا يستطيع أي مكلف بالرئاسة أن يحصل على ثقة البرلمان ويشكل حكومة إلا إذا كان مرشح الأغلبية.
المشكلة إذن ليست في قيام حكومة برلمانية بل في وجود برلمان حكومي ، فالجاري عملياً أن الحكومة هي التي تصنع البرلمان ، ولا يصنع البرلمان الحكومة بل يمنحها ثقته بشكل تلقائي ، بحيث لا تختلف حكومة عن أخرى إلا في عدد الأصوات التي تحصل عليها وقد تصل إلى 111 من أصل 120.
البرلمانات الأردنية مكونة في غالبيتها من أفراد ، يأتي معظمهم بقوة عشائرهم العددية ، وليس بسبب مبادئ وبرامج وقناعات وانتماءات حزبية. وبالنسبة للنواب الأفراد لا فرق بين حكومة وأخرى إلا بقدر ما تستجيب لطلبات النائب ووساطاته ومصالحه الشخصية.
المطلوب إذن هو برلمان حقيقي يمثل أحزاباً يمكن أن يأتلف بعضها لتشكيل الحكومة ويقوم الباقون بدور المعارضة ، وتسقط الحكومة تلقائياً إذا خسرت الأغلبية النيابية.
الأردن نجح في أواسط الخمسينات من القرن الماضي بانتخاب برلمان حزبي ، فتشكلت حكومة برلمانية برئاسة المرحوم سليمان النابلسي. لم يطالب أحد في حينه بحكومة برلمانية بل جاءت الحكومة كنتيجة طبيعية لبرلمان حزبي.
إسقاط تلك الحكومة البرلمانية لم يكن ممكنأً إلا بانقلاب سياسي وحل مجلس النواب ، ومنذ ذلك الحين لم يشهد الأردن برلماناً حزبياً ، وبالتالي لم تتوفر شروط انبثاق الحكومة من مجلس النواب.
جميع الحكومات التي تشكلت منذ 55 عاماً تعتبر بأحد المعاني حكومات برلمانية طالما أنها تتمتع بثقة مجلس النواب وقابلة للعزل من قبل المجلس ، المشكلة أن ثقة مجلس النواب كانت متاحة لأي مكلف بالرئاسة كأمر مفروغ منه.
خلال هذه الفترة تداولت على السلطة التنفيذية حكومات عديدة لم تأت ِ بها ثقة النواب ولم يذهب بها حجب ثقتهم ، وجميعها لم يتمتع بثقة أغلبية النواب فقط بل بثقة أغلبية الشعب أيضاً كما تدل استطلاعات الرأي التي يجريها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية. وقد شهدت المرحلة حكومات متميزة وحكومات ضعيفة ، وكان النواب يلوحون بسحب الثقة من بعض الحكومات ولكنهم لم يفعلوا.