عندما تعجز البلديات عن دفع الرواتب !


الأزمة المالية التي تواجهها الغالبية العظمى من البلديات في مختلف المناطق، بدأت تضيّق خناقها على اللجان التي تديرها منذ عدة أشهر، ولم يعد عجزها مقتصرا على عدم الايفاء بالمتطلبات الخدمية الضرورية، بل أخذ يتعداها الى المصروفات الشهرية الروتينية التي قد تصل الى عدم القدرة على دفع الرواتب لأجهزتها التي تضخمت على مر الزمن، بفعل التعيينات العشوائية التي شكلت عبئا اضافيا من دون مراعاة توفير النفقات اللازمة لها ! .
تشير المعلومات الصادرة عن بنك تنمية المدن والقرى أن 99 % من البلديات الأردنية تعاني من عجز متراكم أدى الى أن يقوم البنك ذاته بدفع أغلب التزاماتها المالية، وأن هناك توقعات بأن تكون الاشهر الأخيرة من العام الحالي من أصعب الفترات التي قد تمر بها، نظرا لنفاد الموازنات المخصصة لها قبل أوانها مما يعني أن لا يجد موظفوها رواتبهم الشهرية المعتادة، اذا لم يتم التدخل لاضافة مبالغ أخرى على مديونيتها القياسية التي تتجدد وتتفاعل بين سنة وأخرى ! .
ليس جديدا ان البلديات الاردنية تعاني من ازمات مالية مستحكمة منذ سنوات طوال من دون التوصل الى معالجات جذرية لواقعها المتردي، بل ان تسديد الحكومة لحوالي مئة مليون دينار سنويا من مديونيتها الهائلة، لم يعد اجراء قادرا على اخراجها مما هي فيه من شلل في الخدمات الاساسية للمجتمعات المحلية وافتقارها لاية قدرة على تنفيذ المشروعات الاستثمارية التي قد تحقق لها عائدا اضافيا يساعدها على تجاوز محنتها، حتى وصل الامر في كثير من الاحيان الى الحجز على ممتلكاتها وها هي اوضاعها المالية الحالية تهددها بعدم توفر رواتب موظفيها ! .
التحديات الكبرى التي تفرض نفسها على البلديات لا يمكن مواجهتها بمجرد اجراء الانتخابات لمجالسها الجديدة المقررة خلال مدة لا تتجاوز منتصف شهر آذار المقبل، اذا لم يتم تأجيلها من خلال تعديلات اضافية على قانون البلديات الذي لم يمض على اقراره سوى مدة وجيزة، بل إن معالجة المعضلات البلدية تتطلب ما هو أكثر من ذلك بكثير، لأن مثل هذه الأوضاع الاشكالية معرضة الى ما يزيدها تعقيدا من قبل المنتخبين الجدد الذين ربما يعيدون سيرة من سبقوهم عبر قرارات غير مدروسة تحمل بلدياتهم من الأعباء فوق ما هي عليه ! .
إن أزمة المجالس البلدية من النواحي المالية والخدمية وغيرها تحتاج الى وقفة مراجعة جادة لاعادة تصويب ما شابها من خلل كبير، بما في ذلك أمانة عمان الكبرى التي انضمت الى ركب البلديات الأخرى في تحقيق مديونية قياسية بلغت حوالي ثمانمئة مليون دينار حتى الآن، فاذا ما كانت التوجهات جادة نحو العمل على تطوير واقع المجالس المحلية فان ذلك يتطلب أولا تدارس واقعها من مختلف جوانبه، مع اتخاذ الاجراءات التي تكفل ضبط التجاوزات الواقعة عليها مع مساءلة من تسببوا في محنتها .. فالانتخابات قد تكرس السلبيات وتعمقها والحلول السحرية من ورائها ربما هي ضرب من الخيال ما دامت الاحوال على ما هي عليه ! .