دوافع سياسات ومسارات التحرك الخليجي ضد سورية؟

من المعروف أن دول الخليج لا همّ لها إلا المحافظة على الأوضاع فيها كما هي، إذ إنها تتخوف من أي تأثيرات على أوضاعها الداخلية، وخاصة أن هناك تململاً شعبياً في أكثر من دولة من هذه الدول بسبب سياسات إفقار المواطن وتضليله وقمعه وإرضائه بالشيء القليل، مقابل استمرار عمليات النهب للثروات لمصلحة الملوك والأمراء وأولادهم وذويهم، هذا إلى جانب كمّ الأفواه وقمع أي تحرك أو صوت في المهد. من جهة أخرى، فإن هذه الدول تخشى من انتقال أي حراك شعبي في الوطن العربي إليها، فمثلاً عندما بدأ حراك شعبي في البحرين، سارع مجلس التعاون الخليجي إلى إرسال قوات ما يسمى «درع الجزيرة» إلى هناك، وهي قوات سعودية أرسلت لحماية النظام وإسكات صوت المعارضة الشعبية هناك التي تطالب بحقوق الشعب ولو في حدودها الدنيا. وعندما بدأت الأحداث في اليمن، خشيت دول الخليج وفي مقدمتها السعودية أن تنتقل هذه الأحداث إليها، أو أن يكون لها تأثير على الأوضاع الداخلية في المملكة، فسارعت السعودية إلى طرح مبادرة سمتها الانتقال السلمي للسلطة انتهت بتنحي الرئيس علي عبد اللـه صالح وتولي نائبه للحكم، لأنه على ما يبدو أكثر تجاوباً مع السعودية وقطر ومع واشنطن.

اتجاهات السياسة ودوافعها
بطبيعة الحال، تقع سياسات دول الخليج تجاه الأحداث الدائرة في سورية منذ عام ونصف العام تقريباً ضمن سياساتها المعهودة والمعروفة والقائمة على أساس حماية أنظمتها بالدرجة الأولى، وصرف الأنظار عما يجري داخل بعض دولها من تحركات شعبية مثل البحرين والسعودية، هذا إلى جانب إضعاف دور سورية الداعم للمقاومة العربية في فلسطين ولبنان، ومحاولات إضعاف الدور الإيراني الداعم لمحور المقاومة والممانعة في وجه المشروع الأميركي الصهيوني الرامي إلى الهيمنة عليها، وإدخال إسرائيل في نسيجها كقوةٍ قائدةٍ ومسيطرة على الأوضاع في الشرق الأوسط بأسره.
لا شك في أن سورية تتمتع بأهمية كبيرة في المنطقة، وقد أشار «باتريك سيل» في كتابه الذائع الصيت بعنوان «الصراع على سورية» إلى العلاقة بين الأوضاع الداخلية في سورية والصراع على النفوذ في المنطقة، وهذه العلاقة لا تزال قابلة للاختبار في ظل التطورات الحالية، فرغم البعد الجغرافي لسورية عن دول الخليج العربي الست، فإنها منذ استقلال هذه الدول تؤثر في أمنها. فمن ناحية، تتمتع سورية بأهمية لدول الخليج لكونها مصدراً لحجم مهم من قوة اليد العاملة هناك، ومن ناحية أخرى فإنها وقفت ضد احتلال العراق للكويت وشاركت في تحريره، وكانت طرفاً أساسياً فيما يعرف بإعلان دمشق الذي أسس آنذاك ليكون نواة لإطار أمني عربي يمكن أن يحمي دول الخليج من أي خطر خارجي، بدلاً من طلب التدخل الأجنبي، إلا أن دول الخليج عادت وتنكرت لذلك الإعلان وألغته من جانب واحد، بناء على ضغوط أميركية وغربية لتظل هناك فرصة لأميركا وحلفائها للتدخل في المنطقة وخلق بؤر التوتر فيها حسب الحاجة، وتبع ذلك كما هو معروف، إقامة عدة قواعد أميركية وغربية في دول خليجية، إضافة لاتفاقات عسكرية معلنة أو غير معلنة، ومناورات سنوية مشتركة، وصفقات تسليح هائلة تحت ستار الخوف من الخطر الإيراني المزعوم.
ومن ناحية ثالثة اكتسبت منطقة المشرق أهمية كبيرة لدول الخليج التي تخاف مما تسميه تمدد النفوذ الإيراني فيها على حد زعمها، ولاسيما أن أميركا وحلفاءها من العواصم الغربية وإسرائيل تحاول جاهدة استبدال الصراع العربي الصهيوني بصراع عربي إيراني. ومن هنا جاءت بدعة ما يسمى «الهلال الشيعي»، فمن شأن هذه البدعة خلق صراع شيعي سني في المنطقة يخدم مصالح أميركا وإسرائيل. كما أن إسقاط النظام في دمشق سيمكن السعودية والبحرين من القضاء نهائياً على المعارضة الشعبية فيهما، من منطلق أنه لم يبق أي نظام عربي يساند المقاومة والمعارضة الشعبية الحقيقية في المنطقة ولو معنوياً وإعلامياً على الأقل.

مسارات التحرك
وضمن هذه التوجهات لدول الخليج والتي تنسجم مع التوجهات والإستراتيجيات الأميركية والغربية، جاءت سياسات وممارسات هذه الدول لإضعاف النظام في سورية وإسقاطه وقد تجسد الجانب العملي منها في محورين أساسيين متكاملين يسيران بالتوازي، الأول يعمل لإسقاط النظام السوري بسرعة، من خلال تقديم الدعم المالي والعسكري لمجموعات إرهابية مسلحة بما فيها تنظيم القاعدة، بالتعاون مع دول إقليمية لها طموحات إمبراطورية مثل تركيا. ويمثل هذا التيار كل من السعودية ومشيخة قطر، حيث طالب المسؤولون فيهما أكثر من مرة بالتدخل العسكري الخارجي في سورية وفيما بعد طالبا بتدخل عربي عسكري كما جاء على لسان أمير قطر مؤخراً، حتى إنه عندما طرحت المبادرة الرباعية الإقليمية من مصر، قاطعت السعودية الاجتماع التحضيري لها، لأن إيران ممثلة فيها، بينما تتحدث دولة الإمارات العربية بين الحين والآخر عن ضرورة دعم مهمة كوفي عنان ثم مهمة الأخضر الإبراهيمي مع العمل من خلال مجلس التعاون والجامعة العربية من أجل الضغط على سورية، أما سلطنة عمان فموقفها ضبابي إلى حد ما، وتميل إلى تفضيل الحوار بين الدولة السورية والمعارضة ورفض تسليح المعارضة.
أما المحور الثاني فهو تحركات الجماعات السلفية والوهابية في دول الخليج والتي تعتمد على إذكاء نار مقولة الصراع السني- الشيعي في المنطقة ومن مظاهره ونشاطاته المشبوهة:
- تزايد نشاط الجماعات السلفية في شمال لبنان والمدعومة من السعودية من أجل ممارسة الضغوط على لبنان للانخراط في المعسكر الخليجي المعادي لسورية، ومن أجل الضغط على حزب الله اللبناني الذي يتهمه السلفيون ومن وراءهم بدعم سورية.
- تنظيم العديد من الجمعيات الخيرية السلفية والوهابية والإخوانية في السعودية وقطر والكويت والبحرين، لجمع الأموال والتبرعات للمجموعات المسلحة وللمعارضة السورية في الداخل والخارج، إلى جانب حملات الدعوة إلى الجهاد في سورية.
- تنظيم عملية نقل المسلحين إلى سورية لمساندة ما يسمى الجيش الحر والمجموعات المسلحة الأخرى التي ترتكب عناصرهما أبشع أنواع جرائم القتل والدمار في سورية.
باختصار إن تحرك دول الخليج على مختلف المستويات سواء كان ذلك من خلال مجلس التعاون الخليجي أم من خلال الجامعة العربية التي سيطرت عليها بالمال، أم على المستوى الدولي من حيث الدعوة المستمرة إلى التدخل الخارجي والتركيز على إفشال مهام المبعوثين الدوليين، كل ذلك قد أخفق أمام الصمود السوري.. لقد تناسى حكام الخليج أن سورية ليست ليبيا، وأنها قادرة قيادة وشعباً وجيشاً على المواجهة مهما كانت التحديات.