هل يقبل الرئيس الجديد؟
تعكف حكومة فايز الطراونة، منذ مدة، على إعداد خطة متكاملة لرفع الدعم عن معظم السلع الأساسية والكهرباء، اعتبارا من هذا الشهر وبشكل تدريجي. ومن المفترض أن يكون مجلس الوزراء قد أقر الخطة في اجتماعه أمس.المفارقة أن الحكومة تتخذ هذه الخطوة بينما هي على وشك الرحيل اليوم أو غدا على أبعد تقدير. ذلك يعني أن الحكومة الجديدة ستجد على الطاولة مسودة قرارات لا ينقصها سوى التوقيع!السؤال هنا: هل يقبل رئيس الوزراء الجديد، أيا كان، أن يستهل عهده برفع الأسعار؟!إن حدث ذلك بالفعل، فإن الحكومة الجديدة تحكم على نفسها بالفشل منذ اليوم الأول، وستواجه أزمة مع الشارع قبل أن تقول "يا هادي".ماذا لو اتخذت الحكومة الحالية القرارات قبل أن ترحل بساعات؟لا شيء سيختلف على الحكومة الجديدة، وستجد قطاعات واسعة تطالبها بالتراجع عن القرارات. وإذا لم تستجب، فستكون كمن اتخذ القرار وأكثر.لا شك أننا نواجه أزمة مالية طاحنة، تستدعي حلولا مؤلمة. لكن الأمر لا يتوقف عند الوضع الاقتصادي فقط؛ هناك أزمة مع قوى سياسية في الشارع، وانتخابات بعد أقل من أربعة أشهر، وقلق متنام من التطورات على الجبهة الشمالية، وجملة من الاحتقانات الداخلية المصاحبة.هي واحدة من المرات القليلة في تاريخنا التي نواجه فيها خليطا من التحديات المركبة في نفس الوقت. لم يحصل ذلك من فراغ، إنما نتيجة لمسار انتقالي مضطرب، شهد تغيير أربع حكومات في غضون سنة واحدة، لم تستطع مجتمعة أن تستدرك أو تصوب مسارا واحدا من مسارات الإصلاح، بشقيه السياسي والاقتصادي.لأشهر طويلة، ظلت الحكومات تلوك بحكاية الغاز المصري، مثلا، وانقطاعاته المتكررة، إلا أنها لم تتمكن من إيجاد بديل يخفف من فاتورة الطاقة. وفي الميدان السياسي، نافست كل حكومة في البناء على فشل سابقتها، وفي المحصلة لم تفلح "الأربع" في التوصل إلى مقاربة تضمن مشاركة كافة القوى السياسية والاجتماعية في الانتخابات المقبلة.وعلى الجبهة الشمالية، تحول النزوح السوري من أزمة إنسانية للجار الشمالي إلى مشكلة داخلية، تتبدى في عجزنا عن إدارة مخيم للاجئين، رغم خبراتنا التاريخية الطويلة مع عمليات النزوح.على وقع فشل متراكم، تأتي حكومة جديدة يراد أن تكون أول قراراتها رفع الأسعار!إلى هذا الحد نفتقد الحكمة؟!الموقف يقتضي قدرا من التروي، والتفكير في جدولة الأزمات تبعا للأولويات والظروف السياسية. رفع الدعم قبل الانتخابات ينطوي على مجازفة كبيرة. خطة كالتي تعدها حكومة الطراونة تحتاج إلى حوار وطني قبل تطبيقها لتفادي ردة الفعل الشعبية. كما يتعين مناقشتها تحت قبة المجلس الجديد أيضا.هناك وعود مؤكدة بمساعدات خليجية يمكن أن تساعدنا في تحمل الأشهر الأربعة المقبلة، إلى أن تأتي حكومة برلمانية تحمل على عاتقها اتخاذ القرارات الكبرى، معتمدة على أغلبية نيابية وقاعدة شعبية لتمريرها.الدول الديمقراطية في العالم التي تبنت خططا للتقشف الاقتصادي عملت بهذه الطريقة