مرسي يرتدي عباءة جمال عبد الناصر


يثير استغرابي ودهشتي الهجوم الظالم والثأري الحاقد البعيد كل البعد عن الموضوعية والنزاهة والشرف وأمانة الكلمة ، الذي يشنه دعاة الإسلام السياسي على الزعيم العربي جمال عبد الناصر الذي هو بنظرهم العدو رقم واحد وليس من يحتل أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين والأدلة والبراهين كثيرة جدا بقدر بعد تلك الأقلام عن الحقيقة والتي لا نستطيع أن نقول عنها أكثر من مأجورة لمن يدفع حتى لو ارتدى أصحابها كل العباءات واختبئوا خلف الألقاب الدينية وغير الدينية والذين بعضهم لولا سياسة جمال عبد الناصر ومرحلة الستينات وما أدراك ما الستينات لكانوا اليوم جزءا لا يذكر من البشر ولا يعرفهم أحد وليسوا أساتذة وأصحاب مواقع مرموقة .

وحتى يكون كلامنا واضح ، جمال عبد الناصر كقائد ليس فوق النقد وتجربته الإنسانية التي كانت ابنت زمانها ومكانها ومرحلتها ليست فوق المراجعة والتصحيح ولكن هذا شيء والهدم والتجريح الذي تجاوز كل الحدود شيئا آخر مرفوض وطنيا وقوميا وإنسانيا والأشد غرابة أن الذين ينتقدون الزعيم جمال عبد الناصر من دعاة التأسلم في مصر تحديدا هم أنفسهم من يتقدموا للعالم بفكر وسياسة جمال عبد الناصر مع إعطاءها صبغة دينية مزيفة لأن أصحابها لا يملكون برنامجا حقيقيا واضح المعالم وليس لديهم إلا مقولة الإسلام هو الحل وهي كلمة حق يراد بها باطل كما قال الإمام علي بن أبي طالب عليه الإسلام .
لذلك نجدهم يقدمون أنفسهم كحماة استقلال وطني ويغض الطرف عن شعارهم الأثير الإسلام هو الحل خاصة بعد أن وضعت تجربتهم على المحك والفعل وليس التنظير من خلف الشاشات والإعلام المأجور كما تعودوا عبر تاريخهم المليء بالقتل والإرهاب والجرائم السياسية ومع تقديم أنفسهم من خلال محمد مرسي الذي يحركه من خلف الكواليس مرشدهم العام محمد بديع الذي ما قال كلمة وصدق بها خاصة في موضوع الانتخابات والذي يشك في ذلك أطلب منه مراجعة المقابلة الشهيرة التي أجراها بديع مع الإعلامي المعروف عمرو ألليثي عبر قناة المحور قبل الانتخابات الرئاسية ولم يصدق في كلمة قالها ، حيث يقدمون أنفسهم اليوم من خلال مرسي لمنظمة عدم الانحياز التي أحد مؤسسيها العظام جمال عبد الناصر والمؤتمر الإفريقي حيث مصالح مصر وهذه كانت سياسة جمال عبد الناصر وأحد أبرز المؤسسين للمنظمة الإفريقية وحتى مرسي وهو يحضر آخر قمة افريقية فوجئ بأنه في شارع يحمل اسم جمال عبد الناصر وأن كل القادة الأفارقة يعتبرون الزعيم جمال عبد الناصر رمزا من رموزهم كما يقدموا هؤلاء المتأسلمون أنفسهم للعرب كدعاة وحدة صف ، وهي سياسية ناصرية بامتياز وحيث مصلحة مصر وتاريخها .

وبعد ذلك نجد هذا المرسي وبلا خجل أو وخزة ضمير يتكلم عن الستينات وما أدراك ما الستينات في محاولة مشبوهة لتصوير تلك المرحلة المجيدة وكأنها سجون واعتقالات فقط وليس مرحلة حركات تحرر وعمل وطني وبناء ، اعترفت به حتى تقارير الأمم المتحدة وما عدوان حزيران الأليم عام 1967م ، إلا مؤامرة امبريالية صهيونية لضرب المشروع القومي الذي قاده جمال عبد الناصر وبسببه وداخليا تمكن مرسي وغيره من إكمال تعليمهم المجاني وحيث لم يجد الصهاينة وعملائهم المباشرين أو المتخلفين الذين أعماهم التعصب الأعمى غير تلك النكسة ليجعلوا منها نهاية التاريخ وكربلائهم الجديدة حيث الندب والنواح وبعضه مدفوع الأجر كلما ارتفع الصوت حتى تبقى أمتنا العربية العظيمة في حالة هزيمة فكرية وثقافية ، ورغم أن العدو منذ تلك الحرب الخاطفة الجبانة التي لم تكشف بعد كل أوراقها حيث لم يسجل العدو أي انتصار حقيقي إلا بهدم بيوت الأبرياء من العرب الفلسطينيين واللبنانيين ، حيث هزم في حرب الاستنزاف العظيمة التي قادها جمال عبد الناصر وأقول لدعاة تيار الإسلام السياسي اقرؤوا ما كتبه الأعداء أنفسهم وأبرزهم موشي ديان وزير الدفاع والجنرال الأبرز في الكيان الصهيوني الغاصب حيث قال في مذكراته أن تلك الحرب يقصد الاستنزاف كانت الأشد على الصهاينة من حيث الخسائر المادية والبشرية كما هزم العدو بالكرامة وحرب تشرين المجيدة التي وضع خطتها عبد الناصر وللأسف خانها السادات وجعل منها سلما للعار وإبرام للاتفاقيات المذلة مع الصهاينة .
وفي لبنان اجبر الصهاينة على سحب قطعانهم وترك عملائهم لمزبلة التاريخ عام 2000م ، وتصل هزيمة العدو الصهيوني لذروتها في حرب تموز المجيدة عام 2006م ، الذي اصطف كل داعمي التيار الإسلام السياسي في خندق العدو ، انظروا ماذا قال وزير خارجية آل سعود المتصهين أن تلك الحرب مغامرة حزب الله وستدمر لبنان ، وعندما كان دعاة الإسلام السياسي في تلك الحرب التي اسميها الفرقان حيث فرقت بين الحق والباطل بين من مع أمته وشعبه ومن هو في خندق الأعداء ، وكان دعاة الإسلام السياسي يلتقون مع جعجع والحريري وجنبلاط ووزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس في قلب بيروت التي كانت تتحدث عن الشرق الأوسط الجديد ولكن بعد القضاء على حزب الله الذي يعتبر رأس المقاومة وعمودها الفقري .
ولعل ما يسمى بالربيع العربي المزعوم الذي وصفه الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل بأنه سياسة تسليم المفتاح وأسوأ من سايكس بيكو انظروا ماذا فعل مجرمي الناتو ولقطاءهم في ليبيا المحتلة وأغلبهم من تجار الدين حيث كانت أول أعمالهم هدم تمثال الزعيم جمال عبد الناصر وتغير كل الأسماء التي لها تاريخ في هذه الأمة بأسماء أخرى مجهولة أو غير موجودة والدعوة لإقامة علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني الذي أسموه إسرائيل .
وبعد ذلك جرائم القتل والإبادة التي سيقف التاريخ أمامها مطولا وتعتبر وصمة عار في جبين من دعم أولئك القتلة ومن أوصلهم للحكم على جثث الأبرياء من الشعب الليبي حيث كان القتل والإجرام سياستهم التي اتبعوها لإفراغ ليبيا من عروبتها وإسلامها وتبديد تراثها الوطني وتسليمها للأعداء .
لذلك أستغرب من مرسي وعصابة التأسلم التي تدخل للمحافل العربية والدولية بعباءة جمال عبد الناصر وسياسته وبعد ذلك يقوموا بشتمه والهجوم على سياسته بشكل مخجل وبلا أي وخزة ضمير ،وعندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني يعلنون تمسكهم بصفقة كامب ديفيد وتنكشف حقيقتهم عندما لا يجرؤا هذا المرسي حتى بأخذ قراره قبل استشارة أو أوامر لا فرق أسياده الأمريكان وإقالته لقادة الجيش والأمن المصري التي تمت بعد مباركة وتأييد هيلاري كلينتون عندما زارت مصر وهذا ما اعترفت به المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية ولم يجرؤ مرسي وسيده المرشد العام تكذيب ذلك وتصل المأساة لذروتها عندما يقرر مرسي الاستعانة بصندوق الفقر الدولي الذي كان أكبر مهاجمي وبدلا من إعادة ثروات الوطن التي جرى بيعها في عهد المقتول السادات والمخلوع مبارك وإعادة تأميمها كما فعل جمال عبد الناصر عندما فرض عليه صندوق الفقر الدولي شروطا رفضها وقام بتأميم ثروات الوطن ومؤسساته وعلى رأسها قناة السويس التي لا تزال الرافد الأكبر للاقتصاد المصري .

رحم الله الزعيم جمال عبد الناصر الذي رفع راية المقاومة ودعم حركات التحرر وأعاد ثروات الوطن المنهوبة وكان أول من أعلن نفط العرب للعرب ودعا لوحدة الأمة واستقلالها الاقتصادي والسياسي ، ويبقى جمال عبد الناصر كشمس والقمر الذي لا يحجبهم كثرة الغيوم السوداء وكلام الجالسين على قارعة الطريق وما أكثرهم .

عبد الهادي الراجح
alrajeh66@yahoo.com