الاردن: المسيرة الاضخم في تاريخ الحراك الشعبي تصعد الاستعداد للصدام بين الاخوان المسلمين والسلطة

بسام البدارين: الرسالة اليوم وإعتبارا من عصر الجمعة ينبغي أن تكون واضحة لجميع اطراف اللعبة السياسية في الأردن بعد المسيرة الأضخم التي نجح الأخوان المسلمون في تنظيمها على مرأى من الجميع.
النظام إستعرض عضلاته ضد الإسلاميين مساء الخميس بإصدار قرارين مهمين حل في الأول البرلمان وأمر في الثاني بإجراء الإنتخابات العامة في أحد أبرد أشهر فصل الشتاء وبموجب قانون الصوت الواحد وفي ظل مقاطعة الإسلاميين.
الإستعراض الرسمي أريد به التخفيف من الزخم الجماهيري لمسيرة الجمعة التي نظر لها من البداية كعلامة فارقة في مسار الصدام السياسي المحتمل بين النظام ومؤسسات الأخوان المسلمين.
ولكي يتحقق الغرض إجتهدت السلطات الإعلامية والأمنية بالتعاون ميدانيا ولوجستيا لتحقيق الغرض المتمثل في منع الإسلاميين من تحقيق تفاضل عددي يغير لاحقا من موازين القوى مع الشارع.
رد الأخوان جاء مساويا بالطاقة ومعاكسا بالإتجاه في تعاطي فيزيائي مع الميدان بدأ بإستعرض قوة في الشارع لا يمكن إسقاطه من حسابات المستقبل خصوصا عند قراءة بعض التفاصيل عندما هزمت 'تكتيكات' المنظمين للمسيرة الضخمة تكتيكات الحكومة المقابلة في صراع 'لوجستي' على الأرض بعنوان الزخم الجماهيري.
وما حصل في مسيرة إنقاذ الوطن لا يمكن تجاهله ميدانيا وسياسيا فقد أظهر الإسلاميون قدرات فائقة على التنظيم والإنضباط لم تتمثل فقط في إستيعاب الضربات الأمنية الأولى التي حاولت تطويق مكان المسيرة بدواعي تأمينها وحراستها لكن تمثلت أيضا في الظهور الناعم والتنظيم الزخم المفاجيء على الأرض.
من بداية صباح الجمعة تبين لغرف العمليات الإعلامية والأمنية التي تراقب ما سيحدث أن لدى الأخوان المسلمين خطة 'سرية' في الإطار التنظيمي فاجأت جميع المراقبين.
بدلا من التزاحم الجماهيري في بؤرة واحدة هي باحة المسجد الحسيني وفي وقت موحد وزع الإسلاميون أنفسهم على أربعة مساجد في محيط المسجد الحسيني العريق وسط العاصمة مما جعل المشاركين يتجاوزون بنعومة وبتوقيت غير متزامن حواجز التدقيق الأمني ومكن القوة الأساسية في المسيرة من إلتقاط الأنفاس بدون زحام يمكن أن ينتج عنه إحتكاك أمني.
وكما فعلت الشرطة تماما حدد الإسلاميون مسبقا نقاطا متعددة للتجمع في ثماني نقاط أربع منها داخل منطقة قاع المدينة وأربع في محيط المنطقة وفي أربعة أحياء مجاورة مما ساهم في تحرك المشاركين في الشارع جماعيا إلى نقطة ضيقة بإسترخاء ودون مزاحمات وبتوقيتات منسقة.
ولجنة التحضير للمسيرة خيبت أمل وزراء ومسؤولين بارزين في الحكومة كانوا يتبادلون النكات قبل 24 ساعة حول اللافتات التي سيحملها الإسلاميون بعنوان حل البرلمان على أساس أن المسيرة نظمت وقد حل البرلمان فعلا وأن مشهد اللافتات سيبدو مضحكا.
أثبت الإسلاميون العكس تماما وأنهم متابعون جيدا للحدث ومستعدون لكل الإحتمالات فلم تظهر ولا لافتة واحدة لها علاقة بحل البرلمان ولم يردد ولا هتاف يتجاوز الخط الأحمر ولم يرفع أي علم خلافا للأردني وبدت المسيرة في منتهى الإنضباط والدقة والإلتزام.
قبل نحو أسبوع كان كل الرهان الرسمي يعمل على ضرورة تخفيض عدد المشاركين في مسيرة إنقاذ الوطن وإستخدمت كل الأساليب في ذلك ووافق نشطاء سياسيون إستمعت لهم 'القدس العربي' من طراز وليد المصري ومحمد الحديد على أن حملات التحريض المبالغ فيها من الإعلام الرسمي حققت أثرا عكسيا لإنها أثارت مشاعر إستفزازية وأنتجت تعاطفا مع الإسلاميين.
هنا وفي هذا السياق فشلت بوضوح خطة إحتواء الحضور الجماهيري فالمراقب العام للأخوان المسلمين تحدث عن مسيرة شارك بها 100 الف مواطن وفضائية اليرموك التابعة للإخوان تبنت هذا الرقم وفي أسوأ تقديرات خصوم الإسلاميين بلغ الرقم 30 ألفا وبالنسبة للمصادر المستقلة ثمة إجماع على أن الإسلاميين حققوا 'وعدهم' ونجحوا في تنظيم المسيرة الأضخم في تاريخ الحراك الشعبي وبعدد يتجاوز 50 الفا.
ذلك له كلفة سياسية ويعيد إنتاج الوقائع وفقا للمحلل الإستراتيجي الدكتور عامر سبايلة الذي رأى عندما سألته 'القدس العربي' بأن الطرفين 'الدولة والأخوان' مضطران بعد مسيرة الجمعة لإعادة تقييم موقفهما لقراءة المواجهة المقبلة بمعيار جديد .
بالنسبة للأخوان المسلمين- يقول السبايله- خدعة الطوفان البشري ستتطور نوعيا وكميا في ظل خروجهم من لعبة البرلمان والدولة لاحقا ستبحث عن أساليب تكتيكية منتجة لتعرية الأخوان المسلمين وقد تجرب أساليب إضافية.
في الخلاصة يتفق السبايلة مع التحليل القائل بأن ثمة وضع جديد يؤشر على أن الصدام قادم لا محالة على أن مستوى التقييمات الداخلية عند الطرفين ستحدد قوة أو بشاعة الصدام القادم.
عمليا قدم الرجل الثاني في التنظيم الأخواني قبل المسيرة دليلا يصادق على نظرية السبايلة فقد صرح الرجل بأن الإصلاح قادم على الأردن لا محالة والحراك سيتواصل.
ترجمة ذلك مختصرة وفقا لعضو البرلمان خليل عطية فقد وضع الأخوان المسلمون بين خيارين هما الشارع أو المشاركة في الإنتخابات وفقا لقانون الصوت الواحد.
في مسيرة أمس الجمعة كانت انشط اليافطات تقول ردا على القصر الملكي 'إخترنا الشارع'.
وفي التوضيحات يقول بني إرشيد: قررنا من البداية أن مصلحة الوطن تتطلب البقاء في الشارع.
اليوم يلتقط أحد ما في غرفة القرار الرسالة فقد قرر الإسلاميون البقاء في الشارع وأظهروا جملة 'تكتيكية' مخيفة على المستوى الميداني تلاعبت عمليا بالجملة التكتيكية الر سمية المتواصلة بطريقة غريبة منذ أسبوع.
السؤال اليوم: لو لم تستخدم الدولة كل أوراقها خلال أسبوع في لعبة تقليص عدد المشاركين في مسيرة إنقاذ الوطن.. هل كان الشيخ همام سعيد سيكتفي بتلك الإبتسامة التي قال فيها للفضائيات أن الأمور طبيعية وهادئة والعدد 100 الف؟