شروط الإصلاح السبعة

بالمحصلة، كانت فعالية المسجد الحسيني بعمان، فعالية إخوانية جملة وتفصيلا، تؤكد القدرة التنظيمية العالية للإخوان المسلمين في حشد جمهورهم وأصدقائهم في مشهد استعراضي، من دون أن تكون لهم القدرة نفسها على التمثيل السياسي للقوى الاجتماعية الوطنية.
هناك، بطبيعة الحال، أصوات فردية وفئوية مشاركة في فعالية الحسيني عبرت عن المزاج الشعبي المناهض للفساد والخصخصة والمحتج على إفقار الأغلبية وتهميشها، لكن المحتوى السياسي الرئيسي للفعالية، ظل مؤطرا بالمطالب الإخوانية المحددة بـ " شروط الاصلاح السبعة". وهي : " قانون انتخاب ديمقراطي وعصري يمثل ارادة الشعب، واصلاحات دستورية تمكن الشعب من ان يكون مصدرا للسلطات، وحكومة برلمانية منتخبة تحقق تداول السلطة على المستوى التنفيذي وترسيخ دولة القانون والمواطنة على اساس الحقوق والواجبات، والفصل بين السلطات وتحقيق استقلالية القضاء، وانشاء محكمة دستورية، ووقف تدخل الاجهزة الامنية في الحياة السياسية والمدنية، ومكافحة الفساد بجدية وفعالية".
نلاحظ، أولا، أن المطلب الشعبي الرئيسي الأول المتصل بمكافحة الفساد قد احتل أسفل قائمة شروط الاصلاح. وقد صيغ بكلمات باهتة، ومن دون تحديد عياني، وبإغفال الزمن : فساد الماضي أم فساد المستقبل؟ الجميع يتحدث، بما في ذلك الفاسدون، عن "مكافحة" الفساد، ولكن القضية الشعبية الفعلية هي محاكمة الفساد ومراجعة اتفاقيات الخصخصة واسترداد أموال وممتلكات الخزينة.
ومن اللافت أن يرد بين شروط الاصلاح، مطلب إنشاء محكمة دستورية. وهو مطلب تحقق بالفعل، أما "الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء" فهو مطلب منصوص عليه دستوريا، والمهم هو تفعيله في الممارسة. كذلك الأمر، بالنسبة لمطالب من قبيل " الشعب مصدر السلطات" و"دولة القانون" الخ
شروط الاصلاح مصاغة بصورة فضفاضة، لا تحدد المطالب العيانية المتضمنة بين السطور؛ فالمطلب الخاص بـ" قانون انتخاب ديموقراطي وعصري يمثل إرادة الشعب" هو موضع سجال بين الشعب نفسه. ولا توجد، في الواقع، إرادة شعبية واحدة وراء نظام انتخابي ما. وعلى سبيل المثال، فإن ما يهم المحافظات، بالدرجة الأولى، هو عدد مقاعدها، بينما النخب تهتم بطريقة الانتخاب، في حين توجد تيارات تريد إعادة توزيع المقاعد النيابية على أساس الكثافة السكانية الخ وعلى هذا، فإن المطلوب، بالضبط، هو قانون انتخاب توافقي، ساهم الإخوان المسلمون في منع التوصل إليه بسبب الحاحهم على قانون انتخاب هدفه الوحيد ضمان سيطرتهم على البرلمان.
وحين نقف أمام مطلب " الحكومة البرلمانية المنتخبة"، فإننا ندهش للتخليط بين مطلبين متناقضين. فالحكومة البرلمانية هي غير الحكومة المنتخبة. الأولى تتشكل وفق المشاورات النيابية الملزمة أو الأغلبيات النيابية، أما الثانية، فتعني انتخاب رئيس الوزراء مباشرة من قبل المواطنين. فما هو المطلوب فعلا: برلمانية أم منتخبة؟
المطلب الخاص بـ " دولة المواطنة على أساس الحقوق والواجبات" يعكس، في الحقيقة، مطالب جماعات " الحقوق المنقوصة"، فمن الواضح أن الإخوان المسلمين لا يهتمون بالمساواة الدينية ( هل يقبلون بمسيحي رئيسا للوزراء؟ أو بحق المواطن بالاعتقاد الخ ؟) أو المساواة الجنسية ( بين الرجال والنساء)؟ المقصود، هنا، بـ "المواطنة" يتصل بالادعاء بوجود مظلومية يعاني منها الأردنيون من أصل فلسطيني.
المطلب الوحيد الصريح في شروط الاصلاح، هو الخاص بـ "وقف تدخل الاجهزة الأمنية في الحياة السياسية والمدنية". وهو مطلب يعكس رغبة الإخوان المسلمين بتجريد الدولة الأردنية من حزبها المنظّم بما يسمح بإشاعة الفوضى؛ ذلك أن الحركة الوطنية الأردنية لم تنجز، بعد، مهمتها التاريخية في بناء حزبها القادر على تنظيم المجتمع وإدارة الدولة. والملاحظ أن الحزبين السلطويين، حزب الإخوان وحزب الدولة، يعاكسان ويقاتلان ضد تبلور ذلك الحزب الثالث.