مسيرتان من أجل الأردن

سأرتدي ثوب الحياد اليوم، وأنا لست محايدا ولا يوجد في قاموس الكتابة شيء اسمه الحياد، وأقول وأجري على الله، أن مسيرتيْ الجمعة، كلاهما من أجل الأردن، المعارض والموالي يحركهما هم واحد، ومشاعر واحدة، وإن اختلفا في طريقة التعبير، فلكل حريته وخياراته في طريقة إخراج مكنونات صدره، ولهما حق مقدس في أن يقولا ويفعلا ما يريدان، تحت خيمة الوطن وقوانينه، وليس لأحد أن يسلبهما هذا الحق، أو يرميهما بأي من تهم الإخراج من دائرة الولاء للوطن، حتى مع أجواء الشحن والتجييش والتحريض، سواء من طرفي المعادلة، أو من خارجها!

ليس من حق من يؤيد إحدى المسيرتين أن يخرج عن سياق الحب لبلده، وشعبه، وأمته، وليس للآخر أن يفعلها، فلكل وجهة نظر، وطريقة في التعبير، وأستغرب وأستنكر أشد الاستنكار جنوح البعض، من كلا الطرفين إلى قذف الآخرين في الجهة المقابلة بأي تهم جارحة، من تخوين وغيره، أو إخراج من صف الوطن، فليس لأحد ان يمنح نفسه حقا ليس له، في تقسيم الناس، إلى وطني وغير وطني، لأن الفيصل بين الكل مدى التزامه بالقانون، وحرصه على تطبيقه، والأهم من ذلك كله، مدى حبه لأبناء شعبه، والتزامه بألا يصيبهم أي مكروه، أو إيذاء حتى بالكلام!

أشعر بأسى وغضب مما شاع على شبكات التواصل الاجتماعي، من تبادل للقذف والاتهامات، وخاصة باتجاه جماعة الإخوان المسلمين، حيث بلغ الأمر حد التحريض على حرق مقارهم، ورميهم بشتى التهم، وهذا جنوح وجنون يجب أن لا يُـتسامح معه تحت أي ظرف، وكل من يفكر بهذه الطريقة، مهما كان انتماؤه، أو الجهة التي تحركه، يتعين لجمه وكتمه وإيقافه عند حده، فتلك دعوة للفتنة، لعن الله من ينقذها، ولسنا في وارد الدخول في فصل غامض مهول من الفوضى وضياع الأخلاق الأردنية المتسامحة، فهذا رأس مال عزيز وكبير، المحافظة عليه هو المعيار الأول في الوطنية..

ليتظاهر من يريد، وليقل ما يشاء، وليحشد هؤلاء وأولئك من يشاءون من أنصار، فهذا حق للجميع، ولكن ليس من حق أحد أن يذهب بنا إلى حيث لا يريد أحرار وحرائر هذا البلد، لأننا في مركب واحد، والضرب على يد من يريد أن يغرقنا جميعا واجب مقدس!

نفهم في ظل ظروف معينة، أن تشيع أخلاق «الرعونة الوطنية» فتشذ عن طريقة التعبير الحضاري، ولكن التسامح مع أي شذوذ سندفع ثمنه جميعا بلا استثناء، فلتنطلق كلتا المسيرتان نحو ما تريدان، وليقل كل كلمته، بلا شتم أو ردح أو مروق وطني، أو هياج عاطفي غير محسوب، فعباءة الوطن لا تحتمل المزيد من الخروق!