النظام السياسي والإخوان المسلمون : استهداف للضحية وسكوت على الجلاد



منذ نشأتها في النصف الأول من القرن المنصرم واجهت جماعة الإخوان المسلمين تحديات كبيرة وعانت من شتى صنوف الظلم والتجبر من قبل الأنظمة السياسية في شتى البقاع والأصقاع ، وقد واجهت في سبيل رسالتها الرافضة للظلم والاستبداد التجريم وتشويه الصورة أمام الجماهير واستعداء الناس ضد هذه الجماعة المنظمة والواضحة في أهدافها ورسالتها. فمن الأذى والظلم الكبير الذي تعرضت له الجماعة في مصر إلى المذابح في سوريا التي لن ينسى التاريخ ضراوتها وشراسة من تلوثت أيديهم بدماء المسلمين إلى القمع والمضايقة والحظر على نشاطات هذه الجماعة في معظم الدول العربية والإسلامية .
لعل تجربة الجماعة مع النظام السياسي الأردني هي الأكثر سلمية وإيجابية مقارنة مع أي دولة أخرى حيث أن الانتساب للجماعة لم يتم حظره في أي وقت مضى كما أن ممارسات الجماعة ومواقفها التاريخية كانت لا تقوم على زعزعة النظام أو العبث بالاستقرار لا بل فقد أظهرت الجماعة مواقف غاية في الإيجابية في مفاصل عديدة من التاريخ السياسي الأردني . هذا بالتأكيد لا يمنعنا من الإشارة إلى تنامي الاستعداء لجماعة الإخوان المسلمين منذ بداية الربيع الأردني وتصدر جماعة الإخوان المطالبة بالإصلاح السياسي الحقيقي. غريب هذا الاستعداء الذي على ما يبدوا أن النظام عبر جهات أو مراكز قوى معينة يحاول النيل من هذه الحركة فتارة تدعي هذه الجهات أن هذه الجماعة أمريكية منذ منشأها وأن أهدافها تخدم الأمريكان والإسرائيليين وأنا والله لا أعلم كيف يستوي مثل هكذا حديث وكيف أن الإخوان يهاجمون الأمريكان والصهاينة ويدعون لعدم التحالف معهم وإبطال المعاهدات مع اليهود الذين قال رب العباد عنهم أنهم لا عهد لهم ثم يأتي من يقول أنهم مرتبطين مع أمريكا وإسرائيل؟ وتارة يقولون بأن الإخوان يريدون أن يقلبوا نظام الحكم وأنهم يستخدمون الديمقراطية للوصول إلى الحكم والانقضاض عليه ليعودوا بعدها عن الديمقراطية ونقول كيف عرفتم هذه الاتجاهات دون أن نجرب الإخوان وكيف نحاسب الناس على النوايا وهل شققنا عما في صدورهم لنعلم ما الذي سيفعلونه إذا ما تقلدوا مقاليد الأمور في البلد؟ أما شيطنة الإخوان وإظهارهم على أنهم قوى شر ستتجبر بالشعب وتقهر الحريات إذا ما أتيح لها الحكم فهذا أيضا يدخل في حيل المعادين للفكر الذي تحمله جماعة الإخوان المسلمين والذي يدعوا إلى التسامح والحرية ومكافحة الظلم والفساد .
الإخوان المسلمون وبحكم نشاطهم السياسي المكثف والمستمر مشاركون فاعلون في الحراك السياسي الأردني ويتصدرون الصفوف المطالبة بالإصلاح ولا ينفكون عن الإصرار على إحداث إصلاح سياسي حقيقي يتيح للأردنيين أن يكونوا شركاء في الحكم ولا يبقون مجرد رعايا وأتباع أو مقيمين على أرض بلدهم يدفعون 78% من موازنة بلدهم على شكل ضرائب على كل شيء من شهادة الميلاد إلى شهادة الوفاة مرورا بعقد الزواج وانتهاء بوثيقة الطلاق. التحشيد والتجييش ضد مسيرة يوم الجمعة الذي يقوم به النظام السياسي عبر الأجهزة الأمنية المختلفة دليل على هذه الاتجاهات والمواقف السلبية من النظام ضد الحركة الإسلامية .إشاعات تنشرها الحكومة والأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام عن تصريحات مزورة لقيادات الإخوان عن أرقام الحشود وعن شعاراتها وعن وجود سلاح أبيض وعن أمور ليس لها أي أساس من الصحة والهدف طبعا لتأليب الناس ضد المعارضة وضد الإخوان المسلمين. مسيرة الموالاة المزمع تسييرها قامت الحكومة عبر أجهزتها الأمنية ببرمجتها وتحديد مكانها لتزيد احتمالات المواجهة علما بأننا من خبراتنا الماضية نعرف هؤلاء الموالين وكيف يتم ترتيب أوضاعهم علما بأن بعضهم من أصحاب السوابق وتعرفهم أروقة السجون ومراكز التأهيل! الإخوان المسلمين نظموا مئات المسيرات منذ بداية الربيع الأردني ولم نشهد أي عنف أو تجاوزات على الأمن وكانت هذه المسيرات تنتهي حسب البرامج المعدة لها دون أي تجاوزات فلماذا كل هذا الذعر والهلع الحكومي من مسيرة الجمعة المقبلة ؟ برأينا هو الخوف من الجماهير وهو الخوف من المد الشعبي الضخم المتعاطف مع مطالب المعارضة بالإصلاح .نعم هو الخوف من الإحراج أمام الرأي العام المحلي والدولي عن حجم المعارضة الداخلية للنظام السياسي خصوصا ونحن نتابع تصريحات القادة السياسية والمسئولين أمام عدسات المصورين والبرامج الحوارية الأجنبية والتي تتضمن تقليلا من شأن وحجم وقوة المعارضة في الأردن عبر الإشارة إلى نسبتها من السكان والتي لا تتجاوز حسب رأيهم 20% وهي نسبة برأينا كافية لقيادة المجتمعات لأن تجارب التطور السياسي تشير إلى أن الفاعلين المؤثرين والنشطاء الين يسهموا في تخطيط مستقبل بلدهم لا يتجاوزن هذه النسبة.
الإخوان المسلمون في الأردن لم يواجهوا مقاومة دموية في الأردن كما هو الحال في دول عربية أخرى ولكنهم تم استهدافهم من قبل النظام السياسي والحكومة وتم الحد من نشاطاتهم والتضييق على تحركاتهم واستفزاز عناصرهم ومقدراتهم كما تم الافتراء عليهم في مرات عديدة ناهيك عن تشويه صورتهم والعمل على إضعافهم والنيل منهم.أجهزة المخابرات العامة وسجلاتها تتضمن متابعات وتنصت ومراقبة لكافة أنشطة الإخوان في الوقت الذي تنعم فيه حركات سياسية موالية بدعم ومؤازرة النظام .
الأخوان المسلمين والتركيز عليهم والتضييق على أنشطتهم والتحريض على مقاومتهم والسكوت على من يؤذيهم كما حصل في سلحوب والمفرق وأماكن أخرى يجعل من هذه الجماعة فئة مستهدفة ويضيق على نشاطاتها وفعالياتها المنسجمة مع الدستور والقانون في الوقت الذي يسرح ويمرح من سرق مقدرات البلد وملياراته في لندن وبروكسل وواشنطن . مضايقة الإخوان المسلمون ومتابعتهم بقصد التضييق عليهم لا تعكس هلع النظام السياسي وذعره فقط من تنامي الدعم الشعبي والجماهيري لمطالب الإخوان الإصلاحية ولكن تعكس سعي النظام إلى استهداف الضحية والسكوت على الجلادين الظلمة الذين أوصلوا البلاد والعباد إلى هذه المرحلة الأصعب وربما الأسوأ في تاريخ الأردن منذ استقلاله في أواخر النصف الأول من القرن المنصرم. سيرى الأردنيون أنه لن يحدث شيئا من جانب مسيرة الإخوان يوم الجمعة وستكون منضبطة وسلمية وحضارية تماما مثل ما سلف من مسيرات عديدة في السابق.