عن مسيرة «بكره»..


لا اعتراض على المسيرات الاصلاحية من حيث المبدأ، ولا ضرورة لتأكيد هذا الموقف لا من قبل الجهات الرسمية ولا من اي طرف آخر، فالملك شخصيا بارك الحراك الاصلاحي واعتبره احد الدوافع المشجعة للحكومات على المضي في عملية الاصلاح وعدم التقاعس عنها، لا بل واستجاب جلالته لطلبات الحراك المحقة خلال السنة والنصف الماضية، ومن بين هذه الطلبات بعض التغييرات الحكومية التي نعرفها جميعا.

اذن لنتفق اولا على ان الدولة ليست ضد الحراكات والتظاهرات حتى عندما تستنفذ الوقت والاعصاب والجهد وتصبح عبئا على الدولة بمؤسساتها وعلى المواطنين المعنيين بالأمن والاستقرار وبالعمل ولقمة الخبز,ولنتفق ثانيا على ان من مصلحة اي نظام حكم في العالم ان يعم الهدوء ارجاء الدولة ما لم تتوفر دوافع تآمرية عكس ذلك، والاردن بشكل خاص لا ينتعش في بيئة مضطربة عاصفة، بل عرف عنه طوال تاريخه معاناته الثقيلة جراء مصائب الاقليم وعدم استقرار البيئة من حولة خاصة في دول الجوار، ولذلك انتهج الاردن استراتيجية أمنية وقائية ورادعة ورفع مستوى الاستعداد لما تعرف بالخطوات الاستباقية، ومن أجل ذلك انشأ منظومة امنية مميزة لضمان الحسم على الصعيدين الداخلي والخارجي، ويرجع الفضل الى هذه الاستراتيجية في الأمان الذي يتمتع به الاردنيون في اقليم عاصف مضطرب اغلب معاناته سببها الثغرات الامنية اضافة الى عوامل أخرى على علاقة باسلوب الحكم من جهة والعلاقة بين الحكام والشعوب من جهة اخرى.!
غدا تطرح قوى محلية واحزاب وجماعات ضغط وربما جهات خارجية ودول التحدي على الدولة الاردنية وتدعوها الى مبارزة غريبة من حيث الدافع حتى الآن، ووجه الغرابة في أن الرهان هنا ليس على مكسب مادي واضح يراد تحقيقه او ان الدولة الاردنية مطالبة به فورا، وانما الرهان على أمن البلد واستقراره، فالذين ينادون لمسيرة الجمعة يرون ان بامكانهم تحقيق الاعتراف بقدرتهم على زعزعة الامن وتسجيل نقاط تفوق على مؤسسات الحكم، وهكذا يوضع الأمن الوطني على الطاولة في رهان بين جماعات تتحدى النظام العام واجهزة الامن لتثبت قدرتها على خلخلة المعادلة الامنية واحداث اختراق، يقابل هذه الجماعات مدافعون عن مصالحهم وعن مكسب الاستقرار الذي تحقق لهم سواء كانوا في الموقع الوظيفي ام مجرد مواطنين لا يتصورون الاردن يقع في فخ ينصب له بقصد سلبه ميزة الامان التي تمثل مصدر فخر لهم وضمانة لمستقبلهم، في هذه الحالة يكون الصدام حتميا، لان الطرف المقابل-وتمثله اغلبية الاردنيين-لا يبدو مستعدا للتنازل عن نعمة الامن خاصة بعدما اصبح شاهد عيان على مصائب الجيران والاشقاء في دول اخرى، وبات يشعر ان الامن اولوية على الخبز وحتما هو اولوية على الاصلاحات السياسية التي سترفع مسيرة الغد شعارها.
فمن يجرؤ الآن على طرح سؤال الاولوية على قيادات ودعاة التوتير، ايهما اولى بالنسبة للأردني الأمن ام الاصلاحات، حتى ان نفس السؤال يبدو منصفا لو وضع الامن مقابل الخبز وادرجت الاصلاحات في اسفل القائمة، فالأمن اولا في كل الاحوال خاصة بعدما تفاقمت اوضاع الانظمة المأزومة واصبحت تطلق النار في كل اتجاه، اما المستغرب بالفعل تجاهل البعض لحقيقة ان فرص الاختراقات الامنية تتضاعف في مثل هذه الحالات، وقد لا يكون بوسع اية مؤسسة امنية مهما بلغت من الكفاءة منع متسلل مدفوع ينجح في تفجير الصاعق كما حدث في عام 2005 في ثلاثة فنادق دفعة واحدة، هذه المرة قد تكون مختلفة عما حدث قبل سبع سنوات من ناحية حجم المأساة لا سمح الله، فاليوم تتوفر بيئة خصبة للتخريب واشعال الحرائق، ويتوفر الدافع والممول المعني بنقل حرائقه الى دار غيره، اما المسيرات التي يصعب السيطرة عليها فتوفر الوقود اللازم والمناسبة التي يشتهيها كل حاقد على هذا البلد .