توقيت يضع الحكومة بصف المعارضة


ألإعلان عن تعيين سفير بتل أبيب ربما يأتي في إطار العلاقات الديبلوماسية الأردنية الإسرائيلية الناتجة عن اتفاقية وادي عربة التي تطبق منها اسرائيل ما تشاء ووقتما تشاء وبالطريقة التي تشاء. وتلزم الأردن لحد ما بالحفاظ على التمثيل الديبلوماسي بين عمان وتل أبيب على مستوى السفراء. وربما يندرج ذلك تحت واقع التخفيف من الضغوط التي ربما تمارس على الأردن من قبل الولايات المتحدة والمتمثل بالنظر بعين الرضا عن الحركة الإسلامية المتمثلة بالإخوان المسلمين أينما وجدوا. ولنا بالرئيس المصري رئيس أكبر دولة عربية خير مثال إذ وضع يده بيد هيلاري كلينتون وأعلن احترامه للإتفاقيات المبرمة بين مصر وباقي الدول ولم يستثني اتفاقية كامب ديفيد التي كانت الحركة الإسلامية تشكل المعارض التقليدي لها.
لكن يا ترى هل التوقيت بالإعلان عما تسعى إليه تل أبيب منذ سنتين يخدم الأردن بهذه الأجواء الملتهبة والتي تشهد تجييشا وتحشيدا من قبل المعارضة والمعارضة المضادة؟؟ بالتأكيد هذه الخطوة ستلقى ترحيبا من قبل واشنطن وتل أبيب لكنها بهذا التوقيت لن تلقى الترحيب نفسه عند الأردنيين وبالتكيد أيضا ستستغل من قبل المعارضة لتجد ضالتها بها بهذه الظروف الخصبة للتأويل وتحميل النظام وزر الظروف السياسية العامة داخليا وخارجيا.
فأول الرافضين لتعيين السفير كانت عشيرته التي أعلنت براءتها منه إن قبل التعيين وبورك هذا الرفض من قبل الحركة الإسلامية وأنصارها. فالتوقيت لم يخدم الديبلوماسية الأردنية بقدر ما خلق سببا جديدا يضاف للأسباب الكثيرة التي تتعلل بها المعارضة وزاد من حجمها لحد ما وعزز من موقفها المناكف ليزيد الطين بلّة. فبدل البحث عن سبل التهدئة وامتصاص غضب الشارع وضجيجه الذي يرتفع مع اقتراب يوم لقاء الجمعين, تم سلوك درب وعر كثير المطبات مرشح لأن يولّد صداعا يضاف لأنواع الصداع التي تستعصي أمام المسكنات التقليدية.
توقيت آخر لا يقل سوءا عن سابقه يتعلق بحديث رئيس الوزراء عن رفع الدعم عن بعض السلع الأساسية والمدعومة وبنفس الوقت تقديم دعم مادي للمواطنين الأردنيين لضمان الإستفادة منه من قبل الأردنيين دون سواهم غير الأردنيين. لا أعتقد أن عاقلا يعترض على ذلك, رغم أن التجربة السابقة والمتعلقة بالدعم مقابل أسعار المحروقات والتي لم تطل, أثبتت أن هناك عائلات كانت تنطبق عليهم شروط الدعم ولم يتلقوا أي دعم ونعرفهم بالأسماء. كما أن ترحيل تنفيذ هذه الخطوة للسنة القادمة ولحكومة قادمة أخرى هو بمثابة قنبلة موقوته تجعل الأعصاب مشدودة والجو مشحونا لدى العامة والحكومة المنفذة سترمي بالمسئولية على حكومة سابقة ونبقى ندور بحلقة مفرغة.
فمجرد الحديث عن رفع الدعم يعني بأذهان الكثيرين أننا مقبلون على مرحلة "مرمطة" ستدخل المواطنين بدوامة السؤال عن وصول الشيكات لمراكز البريد واستلامها ثم الذهاب للبنوك والإنتظار ساعات طوال لصرفها. أليس هذا بتوقيته في ظل الظروف الساخنة من شأنه أن يخلق جوا من عدم الرضا وعدم الإرتياح للناس غير الراضين وغير المرتاحين أصلا؟؟
وهناك خبر تداولته الصحافة نقلا عن مصدر حكومي مطلع عن وجود نية لرفع سعر الكهرباء بنسبة 6%. أليس بهذا تكون الحكومة التي ملأت الأردن "رشدا" مصرة على قتل الأردن بشعبه الكادح وهي تستنزف ما كان لديه من دنانير معدودة استنزفها البرامكة والدخلاء الذين يتبغددون بأموال المواطن؟؟
وأسوأ ما في الأمر التوقيت الذي يدفعنا للقول أن هذه الحكومة تجيش الشعب وتثيره وتستفزه غير مكتفية بالحركة الإسلامية وأنصارها وكأنها تدفع بالشعب نحو العصيان وليس المعارضة. حكومة تتخذ مثل هذه الخطوات يعني لا همّ لها إلا تضييق العيش وسبله على المواطن لا بل خلق الأسباب والذرائع للشعب والمعارضة لزيادة الهيجان الذي يترتب عليه زعزعة الإستقرار من قبل المتطيرين المنتظرين لمثل هذه التربة الخصبة لزرع بذور حقدهم وشرهم.
أليس هناك حكيم أو عاقل واحد لديه خشية من الله بالوطن والمواطن يقدم النصح محاولا ثني الحكومة عما تسوسنا به من زيادة الأعباء؟؟ هل يحق لنا الحلم يوما لنسمع أن وزيرا استقال لعدم قناعته بجدوى قرار ما ورفضه لتشريع ما لأنه لا يصب بصالح المواطن؟؟ يبدو أننا لم نرتقي بعد لدرجة أن نحلم؟؟
أجزم أن هذه الحكومة تلعب بالنار التي يراد لها أن تحرق الوطن بأخضره ويابسه وقدره أن يابسه يفوق أخضره. قراراتها متسرعة وهوجاء غير مدروسة وإن درست فتكون الدراسة للتأكد والتحقق من مدى إصابتها مقتلا بالمواطنين. ما تقوم به يزيد النار اشتعالا إذ لا يصطلي بها الرئيس ووزراءه ولا أصحاب الملايين الذين كدسوا ملايينهم بإفقار الشعب وعوزه.
فعندما تزيد مصروفاتهم الشهرية بمعدل 10% إلى 30% مثلا, فلن تتأثر دخولهم الفلكية. أما عندما تزيد نفس النسبة على مصروفات موظف أو جندي راتبه لا يتجاوز (300) دينار عندها يكون تحمل عبئا لا يقوى على القيام به وبذلك هلاكه وكأن الحكومة بذلك تدفع به للتمرد والعصيان.
تقدم الحكومة وكالعادة أعذارها التي حفظناها من عجز كبير بالموازنة وعدم وصول المساعدات والمديونية المتزايدة وما شابه من أعذار أصبحت مستهلكة وممجوجة لحد القرف. ولم تذكر يوما أنها إملاءات من صندوق النقد والبنك الدوليين التي استدانت منهما وسرقت الأموال تحت مسميات حفظناه هي أيضا. وبهذا النهج يحاكم ويعاقب البريء وهو المواطن ويبرأ ويكافأ السارق البرمكي الدخيل.
تُرى ما عذر الحكومات بعدم اقترابها ممن سببوا العجز والمديونية وجعلوا الأردن يعتاش على وقع الوعود بالمساعدات التي تقول الحكومة أنها لم تصل؟؟ إلى متى سيبقى وطن يعيش على الإنتظار المذل والذين نهبوه وباعوا مقدراته يرتعون ويعتلون؟؟ سؤال ينتظر الإجابة.
هل يمكن أن نصل يوما تكاشف به الحكومة الشعب الذي لم يعد يصدق أعذارها وتصارحه بحقيقة ما يجري؟؟ لماذا عليه أن يعرف أسباب رفع الأسعار غير المقنعة ومحرم عليه معرفة حقيقة ما وراء السكوت عن السارقين والأموال التي ادخرت بحسابات أشخاص معدودين ومعروفين والمؤسسات التي بيعت بأثمان أقل من أثمان السكوت والموافقة على بيعها؟؟
أستحلف بالله كل عاقل للنظر بتوقيت الحديث عن تعيين سفير بتل أبيب ورفع الدعم الذي سيصبح نافذا عام 2013 ورفع سعر الكهرباء خلال شهر, إذا كان توقيتا مناسبا أم هناك غرض في نفس يعقوب. ألم يكن من المستطاع تأخير الحديث عن هذه الأمور القاتلة التي هي بمثابة صب الزيت على النار لوقت ولو بالقصير حتى تنجلي الصورة وتتضح؟؟
لم يعد بوسعنا ولكل ما سبق إلا تأكيد أن الحكومة تمنهج الإضرار بالمواطن وبالتالي ترسخ وتكرس العبث بالوطن مما ينتج زخما شعبيا معارضا للنظام بدفعها نحو تجييش الشارع بكل أطيافه وتزيد من عدد المعارضين.
فما النتيجة أيها العقلاء؟؟ هل تتوقع الحكومة احتراما من الذين يكتوون بنارها؟؟ فهي فقدته منذ الأسبوع الأول لقدومها. النتيجة ستكون هدية ثمينة للمعارضة لتزيد من حنقها واحتقانها معطية لها أسبابا جديدة تستقوي بها في وقت نحن بأمس الحاجة به للهدوء والعمل على إيجاد حلول ناجعة وليس زيادة أسباب الثوران والغليان.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com