فيصل الفايز يحذر أيضاً

لم تُترك المعارضة في الأردن وشأنها لممارسة حقها السياسي والاجتماعي، فأي عمل تنويه يعد مقابله عمل معاكس، وأي رأي تبديه يقابل بالهجوم عليه، وأي موقف تتخذه يرد عليه بمغاير.

أما من الذي يفعل كل ذلك، فإنها جهات حكومية تمارس السلطة بموجب واقع الأمر المستمر دونما تغيرات جوهرية منذ تأسيس المملكة وحتى الآن، إذ ما زال تعيين السلطات وتنصيب الوظائف العليا والمركزية ليس من صلاحيات الأمة التي هي مصدر للسلطات.
والأمر يجري باستغلال مكشوف لمقدرات الدولة التي هي بالأساس ملك للشعب، فيتم استخدامها في مواجهة فئات منه، وحرمانها بذات الوقت من الاستفادة منها.
لو أن مواجهة المعارضة تتأتى من موالاة مؤطرة بأحزاب، لكان الحال رأياً برأي وأعمالاً مشروعة وبرامج متقابلة، أما وانها تتأتى من العمل الحكومي فإنها تخرج عن الحال السائد القائم على المنع وحسب وفي السياق نفسه، فإن وصف الموالاة غير جائز ولا هو صحيح في هذا المقام، وإنما هو استغلال سافر لشخص الملك، وليس النظام الملكي المتفق عليه ولا أحد يطرح تغييره.
في كل المسيرات التي خرجت وسط البلد كانت هناك مجموعة «موالاة» من غير المعروفين من هم على وجه الدقة، وفيما إذا كانوا من أحزاب أو موظفين أو عاطلين من العمل ووجدوه، وكان واجبها الوحيد على الدوام استفزاز المنظمين للمسيرات أياً كانوا، إذ لا فرق عندهم إنْ هم من الإسلاميين أو القوميين أو الشيوعيين الأمميين. وهذه المجموعة هي التي كانت تستوجب الحضور الأمني الكثيف الذي وصل في مرات عديدة إلى أكثر من المشاركين.
منذ الإعلان قبل اسبوعين عن مسيرة للمعارضة تكون مختلفة، هدفها تأكيد إنجاز الإصلاح، والاصرار عليه، وإعلان فعاليات وفئات شعبية الانضمام إليها والمشاركة فيها، لم تهدأ دائرة الفعل الحكومية المغطى تحت يافطة «الموالاة»، وما زالت ثائرتها تثور بما أوصل حجم القلق والتوجس إلى مناسيب غير معتادة.
فبدل الاكتفاء بالمجموعة الاستفزازية، تريد مواجهة من نوع آخر بإعداد مسيرة مقابل مسيرة في ذات المكان ونفس الزمان، وهي تعكف على الرد والتأويل لكل كلمة تخرج من أي ممثل في المعارضة، ومجرد الحديث عن التسجيل للانتخابات يتحول تفسيره إلى أن هدفه التوطين والوطن البديل. والدعوة إلى المشاركة بالمسيرة دعوة إلى الفتنة، وشعار إصلاح النظام بات تقويضه، أو طاول على الدستور، والأمر يصل إلى درجة التصيد لأي مفردة تخرج عن أي قيادي معارض ليعاد شرحها وحرفها. والأمر يدفع بدون وعي وإدراك إلى حالة تشبه الخلاف بين حركة حماس وحركة فتح، طالما تدور بذهن الدائرة الحكومية مسائل الاتهام بالمحاصصة والتوطين والتقسيم دونما أي دواع ومبررات لذلك.
عندما ينضم فيصل الفايز إلى قائمة المحذرين للنظام من الفعل الحكومي، ويدعو إلى الفصل بين مسيرات الجمعة، فإنه بذلك يضع الأصبع على الجرح تماماً، ويعي خطورة ما يجري، ولو أنه غير فيصل الفايز لقلنا لا تصغوا إليه، لكنه هو بلحمه وشحمه وكل عقله.