عندما أذكر طفولتي أبكي !!!


قبل سنة قد أنهيت الدراسة الجامعية , ولا زلت أحس أني أختلف عن كثير من الشباب اليوم , قد يكون هذا لأنني لا أحب التكلف ومواكبة الموضى والجلوس على الكورنيش ومغازلة الفتيات , بل أني لا أستهوي هذه الأشياء أبداً .

ولهذا فإني أبتعد عن أي شيء قد يخدش هيبتي وكرامتي ومروءة الإنسان والحياء الذي يخالط شغاف قلبه الذي جبل عليها تمنعه عن فعل أشياء تخدش بالمروءة وهيبة الإنسان .

ولهذا عندما أشاهد بعض الشباب والفتيات وتصرفاتهم وأذواقهم واطباعهم وعاداتهم وعشقهم أحنّ لطفولتي هرباً من واقع الشباب والفتيات اليوم .

في طفولتي لم نعرف التصنع والتكلف , ولم نعرف الكذب والنفاق , ولا نعرف الخبث والتلون , لكن في واقعنا اليوم تشاهد النفاق بأم عينك وتسمع الكذب بأذنك وتشاهد الدناءة والرذالة أصبحت موضى في اللباس والعادات والعشق حتى أصبح عشقهم إباحياً بدل أن يكون عفيفاً طاهراً .

فكلما أشاهد هذا , أحنّ إلى طفولتي التي تذكرني بطيبة تلك القلوب وصدقها وبعدها عن النفاق والكذب , أبكي وأبري قلمي لكي أكتب عن واقعنا المشين اليوم .

بل أن الناس في أيام طفولتي يختلفون عن أناس اليوم , ولا أدري ما سبب هذا الإختلاف ؟!!

قد كنت في طفولتي شرساً مشاكساً ومع ذلك قد كنت محبوباً عند جميع سكان بلدتي , ورغم أذيتي لهم إلا أنهم في وقت الشدة يهرعون لي ويبكون إن اصابني مكروه ويفرحون إن فرحت ....

فأذكر قصة في طفولتي تدل على طيبة وطهارة قلوب الناس في ذلك الوقت , قد كنت دائماً وفي عز الظهيرة وفي وقت راحة الجيران وأهل البلد , أخرج أنا وأصحابي نلعب ونصرخ ونقلق راحتهم فيخرجون لنا ويسبوننا ويشتموننا جراء إزعاجنا لهم .

وكم من شكوات جاءت الى أبي يشكون من إزعاجي لهم واقلاقهم , ومع ذلك واصلت في ازعاجهم لأننا كنا نرى ذلك من أمتع وأجمل الألعاب وهي إزعاج الناس .

وقد كانت تسكن في بلدتنا إمرأة عجوز فكنت أتسلل إلى بيتها وأضرب باب بيتها بحجر وأقطع بعض أغصان أشجارها التي زرعتها وتعبت عليها حتى ضاق صدرها مني وأصبحت كلما تراني تقول : ( الله يريحنا منك يا يزيد البين ياخذك يا بعيد ) !! فكنت أتفنن في إزعاجهم .

وفي يوم من الأيام ضربتني سيارة وأصابتني غيبوبة طالت مدتها الى 20 يوماً فعندما صحوت من غيبوبتي جاءوا كل أهل البلد وقد ضاقت منهم المستشفى لكثرتهم كي يطمئنوا على صحتي , بالأمس أنا الطفل المزعج الذي يقلقهم واليوم أنا الطفل المحبوب يهرعون لي ويسألون عن حالي , ما بك ؟ وكيف أصبحت ؟ سلامتك ...

وبينما أنا على هذا الحال , سمعت بكاء خارج غرفتي ثم فتح باب غرفتي وإذا بها العجوز التي كنت أتفنن في إزعاجها , فحضنتني بقوة وهي تذرف دموعها وتقول : ( باكر تطلع من المشفى وتجي تضرب حجار على بابي وتزعجني وتسبني , فقدنا حركتك وروحاتك وجياتك ) فلم أتمالك نفسي في هذه اللحظة ففاضت عيناي من البكاء .

فعزمت حينها أن أغير سلوكي أتجاه أبناء بلدتي فأعشقهم كما هم يعشقوني , حيث كنت أزعجهم ومع ذلك لم يتركوني وجاءوا في كل يوم يسألون عن حالتي .

فهذه العادات قد نجزم بأنها قد أنقرضت اليوم ولم يبق لها تواجد أبداً , كل شيء تغير في الناس .... لماذا ؟؟؟؟

حتى الحب نجسوه وجعلوه مرعب لا تقبله نفسك , بعدما كان الحب طاهراً وعفيفاً وأصحابه أهل صدق وعهد ووفاء .

بل الأدهى والأمر أن إحدى الفتيات طلبت مني خدمة , فنفذت خدمتها من باب المروءة ومعاملة الناس , فنصحتها في أمر لباسها حيث كان لباسها أشبه بلباس العروس في خدر زوجها , فقلت لها : هذا اللباس ليس من شيم العرب ويخدش الحياء وليس من جمال المرأة فتستري لله أولاً ثم لنفسك ...

فقالت لي : هاي موضة ما تعرفها أنت !!!! لأنك متزمت غير عن كل الشباب , شكل عقليتك قديمة مع أن الشباب الي في جيل سنك يعشقون هذا اللباس !!

فعندما سمعت كلامها هذا تأسفت على نفسي وعلى ضياع الحياء والحشمة والأصالة ويا أسفاااااااه .

فقالت لي هذه الفتاة : لماذا سكت !!! فعلاً لم أرى شاب مثلك متزمت مع أنك من عائلة معروفة ومشهورة لازم تكون من عشاق هذه الموضى !!!

فحينها تذكرت أبيات شعرية فقلت لها :

يا بنت ما نرضى المهونة والأضعاف
لنا على روس المشارف صيحه
فينا صفات الطيب يا بنت وأوصاف
ما تنطبق في غيرنا يا مليحة
دخيلنا يرقد وأبد ما خاف
يأمن وتحماه السلوم الصريحه
صاحين وصافيين المشارب وأشراف
وما نأكل المتردية والنطيحة
وان ثارت الهيجاء لنا وسط وأطراف
وجه الحريب نقنعه بالفضيحه
كرام ولو يلحق بنا نقص واخلاف
نملى الصحن ونملاه من راس الذبيحه

فرجعت أدراجي , وتأسفت على هذا الوقت , وحن قلبي لطفولتي الى ذلك الوقت الطيب والطاهر .

ومع هذا كله كلما أذكر طفولتي أبكي !!

لا تنشدوني عن الماضي والأسلاف
يوم أذكر طفولتي تهيج فيني القريحه


كتبه : يزيد أبو تايه