سيد النجاة والمأزق التاريخي

في هذه المقالة لمحمد رشيد مستشار الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يسلط الضوء على الرؤية التاريخية لطبيعة الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي ، ويقارب بين اداراته على الصعيد الوطني بين الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي اسماه محمود درويش " سيد النجاة " ، وبين محمود عباس مشخصا المأزق التاريخي الذي يعيشه هذا الاخير وكذلك القضية الوطنية الفلسطينية وفيما يلي نص المقال :
نكبات فلسطين الكبرى تحمل جميعها عناصر مشتركة ، فمثلما لم تحدث اي من تلك النكبات و الكوارث دون تآمر دولي ، او دون ضعف عربي ، كذلك ، لم تقع أية واحدة منها ، دون خلل داخلي ، خلل في البنية القيادية الوطنية ، خلل في قمة الهرم ، و مركز القرار الفلسطيني ، خلل يهزم الشعب في ذروة المعركة ، دون توفر شروط الهزيمة ، حتى ان بدت متطلبات النصر بعيدة المنال ، و تمنح العدو نصرا رخيصا و غير مستحق ، ان لم نقل مجانيا ، قبل ان تحسم الامور لصالحه ، او تتوفر له شروط الفوز .
هكذا ، و منذ 100 عام ، تستمر الملهاة الحزينة ، و يحتدم الصراع ، محشو حشرا بين حدين ، فوز لعدو محتل ، و غير منتصر ، و خذلان لشعب صامد ، و غير مهزوم ، و هكذا هو الحال اليوم ، يوم اخر اسود ، يمنح فيه محمود عباس اسرائيل نصرا مجانيا ، و غير مستحق ، و يدفع الشعب الفلسطيني ، دفعا قاسيا و مخادعا ، للقبول بهزيمة ، في حرب لم يعلم عنها ، و لم يشارك بها ، و الاكثر مرارة ، لم ينهزم فيها .
أضاع محمود عباس ، سنوات طويلة من عمر هذا الشعب العظيم ، اضاع منذ مدريد ، ثلاثة عقود من الزمن ، في مسار " السلام التفاوضي " الاحادي ، مؤكدا ، بان الشرط المسبق للنجاح ، يكمن في إسقاط كل المسارات و الخيارات الاخرى ، و إبداء الإخلاص ، و توثيق حسن النية ، بوقف شامل لاي شكل من اشكال المقاومة ، موهما الجميع ، و دون استثناء ، بانه يحمل في يديه ، المفاتيح "السحرية " للجنة الموعودة ، وهم اخترعه ، او اخُترع له ، و عاش عليه ، ليصعد الى القمة مدفوع دفعا ، فيدفع الشعب ثمنا غاليا ، لذلك الصعود المشبوه ، دما طاهرا ، و دمارا وطنيا .
محمود عباس ، و من يقف وراءه ، يعرفون جيدا ، بان بلوغ القمة شيئ ، لكن البقاء فيها ، و الاحتفاظ بها شيئ مختلف تماماً ، فان كان تصدير فكر الهزيمة و الاستسلام ، و تفكيك روح المقاومة بكل أشكالها ، و الاستخفاف بتضحيات الشعب و وشهدائه ، و أخيرا ، قتل الرفاق ، و تقسيم الإرادة الوطنية ، كلها درجات في سلالم الصعود الى القمة ، فان البقاء هناك يستوجب تحطيم المستقبل ، و تفكيك عناصر و مقومات أية عودة محتملة ، او نهوض قادم .
الافاقون و الخونة و السحرة ، يقرأون في الأساطير ، غير ما يقرا الحالمون و الأبطال في الأساطير نفسها ، الكل يقرأ من نفس الكتاب ، و نفس الصفحة ، لكن كل يقرأ ما يريد ، و لقد قرأ ياسر عرفات و آمن ، بان طائر " الفينيق " ينهض مجددا من تحت الرماد ، و لأجل ذلك خبأ " توقيعه " الاخير ، في ذلك الرماد ، معلقا تحت جناح ذلك الطائر الاسطوري ، و قبل ان تنتهي الحرب ، عاد ، " لكنه ، عاد مستشهدا " ، فبكته فلسطين " دمعتين و وردة " .
محمود عباس أيضاً قرأ ، ، في نفس الأسطورة قرأ ، او ُقرأ له ، بان التخلص من نهضة جديدة ، لذلك الطائر الاسطوري ، الكامن تحت الرماد الازلي ، تكون في سرقة " توقيع " عرفات ، و نثر الرماد ، فلن يعود " للفينيق " لمخبئه الحميم ليستعيد قواه ، و لينهض محلقا للانتقام ، و هو ما حاول عباس فعله ، نثر الرماد في نيويورك ، و عاد مستسلما ، فلم يجد توقيع عرفات الاخير ، و لم يجد الفينيق تحت الرماد .
لم تنته الحرب ، لكنه عاد مستسلما ، عاد عباس يائسا ، محطما ، محملا بالعار ، فلم يعثر على توقيع ياسر عرفات الاخير ، فهو مخبأ بعناية فائقة ، في أجنحة مئات الآلاف من طيور الفينيق المحلقة في سماء فلسطين ، تتكاثر ، تنمو ، لتقوى وتنقض على المحتل و صناعاته المحلية ، فالشعب الذي صدق السلام ، و امن به ، باعتباره من وصايا الخالق العظيم ، مؤمن أيضاً بقوته الذاتية ، و يعرف كيف ينتصر ، فهو شعب يتقن " رباط الخيل