حزب أعداء النجاح

حزب أعداء النجاح / محمد بدر
هو حزب كبير ، وأكبر مما يتخيل أي واحد منّا ، بل هو أكبر الأحزاب ، أي أنه حزب الأغلبية . فهو حزب عابر للطبقات والفئات والأجناس . يجمع في عضويته أغنياء وفقراء ، كبار وصغار ، رجال ونساء ، . يجمعهم شيء واحد يُشكّل محور اهتمامهم وشغلهم الشاغل . فهم أعداء النجاح ويكرهون الناجحين . يتربصون بهم ويتمنون لهم الفشل .
ما أن يبرز أحد في مجال ، حتى تتكاثر عليه الانتقادات ومحاولة التقليل من شأنه والكيد له . تمهيدا لإحراجه فإخراجه . فالإعلامي الناجح مغرور ومدعوم . والأديب الناجح له علاقات مشبوهة ومنتحل . والموظف الناجح مرائي ومرتشي. ورجل الأعمال الناجح حرامي . والسياسي الناجح فاسد . وهو حيال ذلك أمامه أحدى سبيلين ، أما أن يستسلم ويقبل بأن تنتقل إليه عدوى التنبلة ، حتى يكون الجميع في الهوى سوا . أو لا يلتفت للمعوقين ولا يهتم لما يُقال ويستمر في طريق العطاء والنجاح ولو كره الحاقدون .
وربما الأغرب والأدهى من ذلك أن يضم هذا الحزب في صفوفه مسؤولين ، مناط بهم تحسين العمل وزيادة كفاءة العاملين وتشجيع الناجحين والبحث عنهم وايلاءهم الرعاية والاهتمام والتكريم ، وبدل هذا فإنهم يقومون بدور معاكس بكل الوسائل والأساليب الناعمة والخبيثة . فان لم ينجحوا سعوا لعزلهم وتهميشهم ووضعهم في أماكن لا تتناسب مع إمكاناتهم وقدراتهم .
وفي الجهة المقابلة يُستخدم نفس الأسلوب مع المدراء المجدّين الناجحين . فالعاملون اعتادوا على نمط بطيء محدود من العمل لا يريدون بل يُقاومون تغييره . وربما يتضامن معهم مسؤول أعلى محاولا تهدئة المدير النشيط مطالبا باستعمال الفرامل فليس في الإمكان أبدع مما كان ، وأنه مهما حاول فلن يتمكن من إقامة الدين في مالطا ( ولا أدري سبب ضرب المثل بمالطا ) .
ونشاط هؤلاء لا يقتصر على الأفراد ومنعهم من الإبداع والنجاح ، بل تعداهم إلى الجماعات والمؤسسات والأحزاب . فهم أعداء للمؤسسات الناجحة أو التي في طريقها للنجاح فيعملون بكل قوّة لإفشالها وتثبيطها وإعاقة نجاحها . وكأن المطلوب من هذه الأحزاب والجماعات والمؤسسات أن تقلل نشاطها أو توقفه حتى يرضى هؤلاء عنها ، ولن يرضوا . إنهم قوى الشد العكسي للنجاح لا يهدأ لهم بال أو يقرّ قرار حتى يكون الجميع مجموعة من الفاشلين .
أرأيتم أحد أهم الأسباب التي تجعل بلادنا في مصاف الدول النامية ( المتأخرة ) . وان حدث تطوير أو تقدم فانه يكون ببطء السلحفاة أو نتيجة جهود فردية مغامرة ، تحدّت المعيقات والنكاية والتشويش . وربما يكون مصيره الإحباط فيضطر مكرها للمغادرة حيث تستقبله مراكز الأبحاث والدراسات ، فيجد في الخارج التشجيع وتوفير الإمكانات وإعطاءه ما يستحقه من مزايا وتكريم .
لذلك غيرنا يتقدم بتشجيع النجاح ومكافأة الناجحين وتوفير كل ما يساعدهم ويحفّزهم عليه . يحصلون من الإنسان على أفضل ما عنده فيبذل أقصى وسعه . بينما نتأخر نحن ونبقى نراوح مكاننا لأن حزب الأغلبية هذا يسوؤه سماع نجاح أحد ولا يُطيق رؤيته ، فنصبح بيئة طاردة للناجحين ليستفيد من جهودها الغير .
إن الدين حثّ على النجاح وتجويد العمل بقوله عليه الصلاة والسلام " أن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه " وذم أعداء النجاح الذين كل همهم تمنى زوال الخير عند الغير " لا تحاسدوا " . بل المنطق السليم والعقل الراجح يجب أن يكون مع الناجح ويحاول مساعدته وتشجيعه ، لأن هذا النجاح ستصل نتائجه وفوائده للجميع بشكل مباشر أو غير مباشر . وأمة تحارب الناجحين فيها ولا تهتم بهم وتشجعهم ستكون في ذيل الأمم وستبقى محتاجة لغيرها .