تفاصيل أسبوع حاسم وخطير: عناد أخوان الأردن في مواجهة (مغامرات) الدولة

بسام البدارين: الرسالة التي لم يلتقطها بعد قادة الأخوان المسلمين في الأردن وهم منشغلون بإظهار قدراتهم على الحشد والتنظيم في مواجهة مؤسسة النظام يوم الخامس من الشهر المقبل هي تلك المختبئة بين سطور ملف الأمن الإجتماعي.
إغلاق ملف قانون الإنتخاب تماما بإتجاه عدم تعديله مجددا وتحديد موعد يوم الإنتخابات الأسبوع المقبل حسب بعض السيناريوهات يعني بأن قنوات التفاوض أغلقت تماما مع الإسلاميين وأنهم مضطرون لمحاولة جزافية تتمثل في إستنساخ صورة أعمق من الربيع العربي وسط العاصمة عمان.

وآخر تصريحات الرجل الثاني في تنظيم الأخوان المسلمين الشيخ زكي بني إرشيد قال فيها الرجل لمؤسسة القرار بان الإصرار على تنظيم الإنتخابات بالقانون الحالي يقترب من الإنتحار السياسي.

يمكن وضع عشرات الخطوط تحت عبارة (الإنتحار السياسي) فهي عبارة إستفزازية وتحذيرية تضرب على العصب الحيوي لمؤسسات القرار وتنطوي على تهديد مبطن قوامه فكرة تحدث عنها المسئول السياسي للأخوان مراد العضايلة وهو يهمس في احد الإجتماعات بالسؤال التالي: لماذا علينا التسليم بفكرة ان المعارضة ينبغي أن تكون أرشد وأعقل من النظام؟.

على هامش لقاء تلفزيوني شاركت به القدس العربي اطل العضايلة على الشاشة قائلا: الرشد والعقلانية هو الإصلاح الحقيقي وليس حماية الفساد ورفع الأسعار وتزوير الإنتخابات ثم مطالبة الشعب المسكين بالصبر .

إتجاه الأخوان المسلمين واضح وهو التحشد بمسيرة ضخمة غير مسبوقة وسط العاصمة عمان بمشاركة 72 حراكا أغلبها من مناطق الشمال تحت عنوان (إنقاذ الوطن) للمطالبة بإصلاح وليس إسقاط النظام كما صرح رئيس اللجنة التحضيرية لهذا المشروع الربيعي الساخن الشيخ سالم الفلاحات.

بعض اوساط الحراك أطلقت على هذه المسيرة إسم (الزحف المقدس).. هنا وعلى هامش حوار ذهني مع رئيس الورزاء الأسبق على أبو الراغب سمعته القدس العربي يسأل : إنقاذ الوطن ممن؟.. يقول أبو الراغب: أفهم زحفا مقدسا لتحرير أو إنقاذ المسجد الأقصى وليس لفرض أجندة سياسية على جميع الأطراف وبدون توافق .

الرد اليتيم المباشرالذي برز في الساحة على مشروع الأخوان المسلمين لتنظيم أضخم مسيرة تحت عنوان إنقاذ الوطن صدر عبر شاشة التلفزيون في إطلالة مبرمجة وهادفة إنشغل بها فريق كامل من التقنيين لرئيس الوزراء الأسبق فيصل الفايز.

أهمية الفايز تكمن في انه الرجل الذي دخل في وساطة مع الأخوان المسلمين مؤخرا وأسس معهم علاقة .

نفس الرجل كلف على الأرجح بمخاطبة الأخوان وتحذيرهم عبر الإشارة لإن مسيرتهم الضخمة قد تؤدي إلى (فتنة) وقد تثير الحساسيات بين مكونات المجتمع وقد تدفع جماعات (الولاء) للرد فيحصل ما لا يحمد عقباه.

عمليا لأول مرة يستخدم رجل مهم في هرم السلطة تعبير (الولاء) الذي تصرفه تقارير الإعلام بالعادة لمن يتجمعون مقابل كل مسيرة للمعارضة ويهتفون بالولاء أو يحاولون الإعتداء على نظرائهم في الحراك والمعارضة .

ما لا يريد الشيخ إرشيد ورفاقه في مطبخ الأخوان المسلمين ملاحظته أن إستخدام هذه التعابير بقوة يؤشر إما على حصول وضع (ميداني) قد لا تستطيع السلطة التعامل معه وفقا لقواعد الإشتباك المعتادة في ميادين الإعتصام.

أوعلى تهديد واضح وصريح يقول بالمضمون للأخوان المسلمين : سنتصدى لكم بالشارع وبالميدان ولن نفعل ذلك إطلاقا عبر الشرطة والعسكر.

داخل الدوائر الأمنية يقول المختصون : ليس سهلا إطلاقا تأمين مسيرة يقول أصحابها أنها سلمية ويشارك بها خمسون ألفا في منطقة محصورة, وليس سهلا منع مواطنين آخرين بإسم الولاء من الصدام مع هذا الحشد من الناس.

الإسلاميون يقولون بأن مسيرتهم ستكون سلمية تماما وهتافاتها معلنة مسبقا, الأمر الذي تطلب تشكيل لجنة تحضيرية نشطة تمثل جميع الحراكات.

والسلطات السياسية والأمنية تعرف بان الأخوان المسلمين سيختطقون الشارع والمايكروفون لأربع سنوات قادمة إذا ما نجحوا في تنفيذ هذه المسيرة والوطن برمته وبكل أطرافه عالق اليوم بين خيار الدولة وخيار الأخوان المسلمين .

الأكثر حساسية هو التلميحات (الديمغرافية) التصعيدية التي زرعت بين أسطر كلمات فيصل الفايز الذي تحدث أيضا إنطلاقا من مكانته العشائرية والقبلية الكبيرة بعدما إتخذت حراكات الجنوب واليسار موقفا سلبيا من مسيرة الأخوان الضخمة.

وتلميحات الفايز حساسة وخطيرة لإنها تليت بترتيب مسبق ولم تأتي صدفة وأهم ما في رسائلها غير المباشرة هو الإيحاء بأن بعض المستويات المغامرة في دوائر القرار يمكنها أن تلعب بورقة التعبير المناطقي والجهوي – إذا إضطرت- لوقف جموح مسيرة الإسلاميين الضخمة.

هذا ما تقوله رسالة الفايز ضمنيا فإصرار الأخوان المسلمين على تعديلات دستورية تقلص صلاحيات القصر الملكي مسألة لا تحظى بأي شعبية في وسط القبائل والعشائر وبنية النظام كما تثير قلق بنية الأردنيين من أصول فلسطينية الذين لا يقفون معها في الواقع.

..عمليا تعبر الأيام الصعبة بإنتظارعودة الملك عبدلله الثاني من رحلته الأمريكية وتمر الساعات ثقيلة على الجميع لإن يوم الخامس من الشهر المقبل سيكون حاسما فملامح الربيع بنسخته الأردنية تتبلور على إيقاعات قد تكون واعية ومدروسة وقد تتحول فجأة إلى إنفعالية وعنيفة.

الواضح حتى اليوم أن الأردنيين منقسمون إلى ثلاثة أقسام : الأخوان المسلمون وحلفائهم وشركائهم في الحراكات بإتجاه التصعيد والإعلان عن ولادة الربيع العربي يوم الخامس من الشهر المقبل.

والدولة تقول مسبقا وبكل اللغات أنها مستعدة لإستخدام الإحتياطي الإستراتيجي من المجازفة حتى تفشل خطة الأخوان المسلمين وبين الإتجاهين جيش من المثقفين والسياسيين الخائفين الذين لا يثقون بتعقل الطرفين ويبحثون عن وساطات ومبادرات وحتى عن تسوية ولو خارجية للأمر حرصا على الإستقرار العام.

بين الطبقات الثلاثة تجلس أغلبية ساحقة صامتة ينهشها الجميع وتسترخي في مستوى الحيرة والتردد والقلق والإرتياب.