كلمة في وداع البرلمان الأردني

كلمة في وداع البرلمان الأردني
الدكتور منتصر بركات الزعبي
في الدولِ التي تحترمُ نفسَها وتحترمُ شعوبَها ،نجدُ أنَّ البرلمانَ هو الممثلُ الحقيقَيُّ للشعبِ.
أمَّا في الأردُنِّ ،فمجلسُ الأمَّةِ بغرفتيهِ : النوَّابِ والأعيانِ ،ليسَ أكثرَ مِنْ ديكوراتٍ للزينةِ لتجميلِ وجهِ الحكومةِ الذي أفسَدَهُ الدهرُ ،والذي نأى بنفسهِ عَن المهامِّ المنوطةِ بهِ وعلى رأسِها إدارةُ شؤونِ البلادِ السياسةِ ليصدُقَ فيهِ قولُ الشاعرِ:
أمَّا السِياسَةُ فاترُكُوا أبدًا و إلَّا تندَموا إنَّ السِياسَةَ سِرُّهَا لو تَعلمُون مُطَلْسَمُ
النوابُ يدارونَ بالريموتْ كُنترول ،كما لو كانوا لعبةَ أطفالٍ ،يرفعونَ أيدِيهم في البرلمانِ دُفعةً واحدةً ،كما لو كانوا جَوقَةٍ مِن عازفِي الكَمنجاتِ ،ليفوزوا برقم الإيداع (/2011/111/16) لدى الشعبِ الأردنِيِّ !
والسببُ :هوَ غِيابُ الشرعيَّةِ عنهم ،لأنَّهم مُتَّهمون بانتِحالِ صِفةِ ممثلِي الشعبِ ،والقانونُ الصادرُ عنهم ،يعاقبُ مُنتحِلَ الصِفةِ ؟!! وهذا يجعلُ كلَّ ما صدرَ عنهم من قوانين باطلاً لأنَّه لا يحِقُّ لإنسانٍ فاقدِ الشرعيَّةِ أنْ يَسِنَّ القوانِينَ التِي تبنِي الشرعيَّةَ ،ولا يحقُّ لهُ القول وبأيِّ شكلٍ مِنَ الأشكالِ أنَّه ممثلٌ للشعبِ ،فالشعبُ مِنهُ براءٌ ،فليسَ هوَ مَن اختارَهُ . لقدْ جِيءَ بِهم لا لِيمثلوا الشعبَ ،بلْ لِيمثلوا عليهِ لتتحوَّلَ وظيفةُ النائِبِ إلى"وظيفةٍ عكسيٍّةٍ" فأنتَ عندما تذهبُ إلى الطبيبِ فإنَّك تنتظرُ منه دواءً ولا تنتظرُ مِنهُ سُمَّا زُعافاً ،وظيفةُ النائبِ أنْ يُدافعَ عن المُواطنِ حتَّى يتمتعَ بكاملِ حقوقهِ مِن خلالِ سَنِّ القوانِين القامِعةِ للفسادِ ،والدَّاعمةِ للتشريعاتِ القاضيةِ على الفسادِ حتى يستطيعَ أنْ يُزيل َكلَّ مَنْ هو مسؤولٌ عن الفسادِ.
ولكنَّ وظيفةُ نائِبنا ،لا تتعدَّى صلاحياتُهُ أهواءَ ونزواتِ ومصالحَ مَنْ يُعيِّنُهَ ،لا مصالحَ الشعبِ ،أمَا وَجدْنا نوابًا يتسلَّونَ في حينْ كانَ الشعبُ يتمزقُ .
إذًا كيفَ نتوقعُ مِن هؤلاءِ الموجودِين تحتَ قُبَّةِ البرلمانِ – أنْ يُدافِعوا عنْ الشعبِ وقدْ جاؤا بالتعيينِ ؟
إنَّ وظيفةَ البرلمانِ الأولى هي التشريعُ ،أمَّا الوظيفةُ الثانيةُ ،فهي مراقبةُ الحكومةِ ،فما التشريعُ الذي قامَ بهِ مجلِسُنا النيابِيُّ العتيدُ ؟إنَّه التشريعُ لقوانين الصحَافةِ المُجحِفةِ ،وخنْقِ الحرياتِ ،وتشريعٌ لمأسَسَةِ الفسادِ ،فلو قرأنَا على سبيلِ المثالِ القوانينَ الصادَرَة عنْه ،ونقارنُها بمواثيقَ وإعلاناتِ حقوقِ الإنسانِ ،سنَجِدُ أنَّها كلَّها تنخرطُ في إطارِ التضييقِ على الحرياتِ ،وليسَ في فتحِ الحريَّاِت ،إنَّها قوانينُ زجريةٌ،ظالمةٌ ،غاشمةٌ ،لاجِمةٌ ،وأنتمْ أيُّها النوَّابُ وحدَكم المسؤولون عنها والمحاسبون عليْها إنْ عاجِلاً أمْ آجِلاً ؛فأنتمْ مَّنْ يُشرِّع باسمِ الشعبِ زورًا وعدوانًا؟
إنَّكم بحقًّ تعيشون في مؤسسةٍ مريضةٍ ،مريضةٍ بالتزويرِ ،مريضةٍ بعدمِ القيامِ بصلاحياتِها ،مريضةٍ بالتغطيةِ على استبدادِ الحكوماتِ - .
وظيفَتِكم هي حِمَايةُ التسلُّطِ – ولا أقولُ السلطةَ - التَسلُّط ِمِن سِيادةِ الشعبِ وليسَ حِمايةُ سيادةِ الشعبِ مِن التَسلُّطِ ، وشتَّان بينَ المفهومين ،السلطةُ شيءٌ طبيعٍيٌّ ،لكنْ ما نعانِي منهُ فِي ربوعِ وطنِنَا الغالِي ليسَ السلطةُ وإنَّما التسلُّط .
كيفَ سيكونُ عندنَا برلمانٌ حقيقِيٌّ بعدَ فِعلتِكُم المُخزِية عندَما شرَّعتم بتكميمِ الأفواهِ ؟حتَّى تبقى الحقيقةُ مطموسةً لا يعرفُ بها أحدٌ .
سؤالٌ يفرضُ نفسَهُ بقوةٍ ،أينَ هي مكوناتُ الوصفةِ البرلمانِيَّةِ ؟حريَّةُ الصحافةِ ،حريَّةُ التعبيرِ ،أحزابٌ حقيقيَّةٌ ،انتخاباتٌ حرةٌ ونزيهةٌ ؟كلُّ ذلكَ غيرُ موجودٍ ،فكيفَ يحقُّ لنا التحدثُ بعد ذلك عنْ برلمانٍ فاعلٍ ،وحكومةٍ برلمانِيَّةٍ من غيرِ أحزابِ معارضةٍ ؟!
رئيسُ الوزراءِ التركيِّ الشهيرِ ، رجب طيِّب أردوغان – قدَّسَ اللهُ سِرَّهُ - طالبً وبقوةٍ ، تعزيزَ موقفِ أحزابِ المعارضةِ في البرلمانِ التركيِّ ، فقالَ في خطابٍ لهُ : المعارضةُ في البرلمانِ تَضْعفُ ،البرلمانُ يعاني من ضعفِ المعارضةِ ،فعلينا كحكومةٍ أو كنظامٍ تركيِّ أنْ نعزِّزَ من دورِ المعارضةِ. الدُّولُ التي تحترمُ نفْسَهَا تَعْتَبِرُ المعارضةَ جُزءًا أصيلاً من النظامِ.
أقولُ وبالفمِ الملآنِ :الشعبُ يجبُ أنَّ يُمثَّلَ ،ولا يمكنُ أنْ يمثلَ إلا إذا توافرتْ مكوناتُ اللعبةِ البرلمانيَّةُ ،وهي :حريَّةُ التعبيرِ ،حريَّةُ الصحافةِ ،أحزابُ حقيقيةٌ لا وهميَّةٌ ،حريَّة الانتخاباتِ ونزاهتِها ،وهذهِ الشروطُ غيرُ متوافرةٍ على الساحةِ الآنَ ،إذنْ فإنَّ كلَّ ما سينتجُ عنها فهو هشٌّ وهزيلٌ .
نأتِي إلى الوظيفةِ الحقيقيَّةِ للبرلمانِ ،وهي المراقبةُ لمنعِ التسلُّطِ ،فالبرلمانُ سلطةٌ موازيةٌ، فعندما تكونُ السلطةُ بيدِ شخصٍ فهذهِ السلطة تصبحُ تسلطًا ،ودورُ البرلمانِ أنْ يحدَ من هذا التسلطِ ،أنْ يحدَّ من الفسادِ ،فأينَ هي مجالسُنا النيابيَّةُ من كلِّ ذلك ؟فهلْ مِن وظيفةٍ لمجالِسنا النيابِيّةِ الآنَ سوى إضفاءِ الشرعيَّةِ على ما ليسَ لهُ شرعيَّة ،وإعطاءِ غطاءٍ قانونِيٍّ للقوةِ وللقوة المفرطة ،والمجلسُ النيابِيُّ هو مَن يمنحُ هذا الغطاءَ الشرعِيَّ .فهلْ أصبحَ البرلمانُ جزءًا لا يتجزأ مِن النظامِ الاستبدادِيِّ الذي يعملُ بالبوليسِ السرِيِّ ،ويعملُ على إلغاءِ حريَّةِ الصحافةِ وتكميمِ الأفواهِ وتأصيلِ الفسَادِ ؟.
إنَّ عمليَّة مراقبةِ الحكومةِ عمليَّة شكليَّة ،إنَّه تمثيلٌ ،والعديدُ من النوَّابِ يعترفُ بذلك ، ويعتبرون أنَّ وجودَهم تحتَ قبةِ البرلمانِ إنَّما هي قضية مكافأةٍ ،وقضية اعتبارِيَّة ،همْ يعترفون بذلك ،ويعترفون أيضًا أنَّ لهم وظيفةٌ أخرى هي :إضفاءُ نوعٍ من الشرعيَّةِ على غيرِ الشرعيَّةِ.
فعمليَّة وصولِهم إلى البرلمانِ في الكثيرِ مِن الأحيانِ هي مِن أجلِ أل Business الذي يَعني الارتزاقُ والاسترزاقُ مِن خلالِ البرلمانِ.كثيرون يذهبون إلى هذهِ البرلماناتِ مِن أجلِ مغانِمَ شخصيَّةٍ بالدرجةِ الأولى ،ومِن أجلِ اقتسامِ فُتاتِ السلطةِ إنهم بحق شهودِ زورٍ.
نعمْ إنَّ مَجلسنا النيابِيَّ ومَن سيأتي على شاكلتَه سيبقَى يعيشُ حالةَ موتٍ سياسيّ ، بسببِ عجزِهِ عنْ تقديمِ أيِّ إشباعٍ ديمقراطيّ أو اقتصاديٍّ ،أو سياسي أو حتى مِنْ زَاوِيَةِ الكرامةِ الوطنيِّة ، وسيظلُّ في حالةِ نزاعٍ - بينَ الموتِ السِياسِيِّ ، وتأخُّرِ مَرَاسِمِ الدَّفْنِ - مِمَّا سَيُبْقِي الأردنَّ في مُعَانَاةٍ ، وحالةِ احتقانٍ اجتماعيٍّ - والذي حذَّرتُ مِنْهُ أكثرَ مِنْ مَرَّةٍ – أدعو الله - جلَّ وَعلى أنْ يكتبَ لمسيرةِ الوطنِ مزيدًا من المنَعَةِ ، والازدهارِ والخيرِ.
Montaser1956@hotmail.com