«الإخوان».. لا تهدي مَنْ أحببت!

لاضرورة لكل هذا النواح ولا الى شدِّ الشعور وقدِّ الجيوب والتحسُّر على قدح لبنٍ انسكب.. وكذلك ولا إلى الصراخ والشتائم فالإخوان المسلمون جماعة عمرها عندنا هنا أكثر من نصف قرن من الأعوام وهي تعرف نفسها وتعرف هذا البلد مثلنا كلنا وربما أكثر وقد تكون لديها أسباباً لهذا القرار الذي اتخذته قد نُخمِّن بها ولكنها تبقى أسبابها وهي وحدها التي ستكون مسؤولة عنها إن الآن وإن في المستقبل أمام قواعدها وأمام الشعب الأردني.
وبالطبع فقد كنَّا نتمنى ألاّ يكون هذا القرار وكنا نتمنى لو أنَّ هذه الجماعة التي قد نختلف معها، بل أننا نختلف معها لكننا في الوقت ذاته نحترمها فالمفترض أن الإختلاف في الرأي لا يفسد في الوُدِّ قضية، وحقيقة أن الإختلاف في القضايا الوطنية ضروري ولازمٌ وأنه بدونه سيكون هناك عمى ألوانٍ وستكون هناك سياسات ومواقف المسار الواحد التي إن هي كانت تصلح لأزمنة «الغول والعنقاء والخلِّ الوفي» فإنها بالتأكيد لا تصلح وبتاتاً لعصر القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة.
كان الإخوان المسلمون قد قاطعوا انتخابات سابقة، قد لا تكون بخطورة هذه الإنتخابات المقبلة وأهميتها ولكنها وفي كل الأحوال تبقى «بعجرها وبجرها» محطات في مسيرة بلدنا الديموقراطية، لكن ومع ذلك فإن السماء لم تنطبق على الأرض وأن هؤلاء لم يخرجوا من نسيج المجتمع الأردني وأنهم لم يحيدوا عن المسار العام لهذا البلد ولم يستبدلوا العمل السياسي لا بالعنف ولا بالسلاح وهم لن يستبدلوه مهما حصل فنحن نعرفهم ونعرف أنهم حريصون على الأردن مثلهم مثلنا وذلك مع أنهم يختلفون عنا في أن مفاهيمهم وتقديراتهم وعلاقاتهم الخارجية التنظيمية تختلف عن تقديراتنا ومفاهيمنا وتصوراتنا السياسية.
ولذلك فإنه لا ضرورة لأساليب الرَّدح والشتم وأن الضرورة كل الضرورة تقتضي بأن يستمر النقد البناء البعيد عن التجريح الشخصي والإتهامات القاسية غير الضرورية وأن يستمر الحوار مع هؤلاء بدون مجاملات وبدون «تبخيرٍ» ولا وساطات استعراضية هي تفقد قيمتها عندما تكون بلا تكليف وبدون أن تمثل وجهة نظر الجهة المعنية سواءً أكانت الحكومة أم غيرها.
يجب أن يتواصل الحوار ويجب أن تتواصل عمليات تبادل وجهات النظر ولعل ما يجب أن يقال في هذا المجال أنه من حق «الإخوان» ومن حقِّ أي تنظيم سياسي وأيضاً غير سياسي أن يتظاهر وأن يحشد ما يستطيع حشده من الأردنيين للمطالبة بمواقف وقرارات وتعديلات وتغييرات محقة وهنا فإن الشرط الوحيد، الذي بالتأكيد أن هؤلاء يعرفونه ويوافقون عليه، هو أن يتم هذا بعيداً عن أي شكل من أشكال العنف ووفقاً للقوانين النافذة وعلى أساس أن هذا البلد يشبه، وبخاصة في هذه المرحلة الخطيرة، سفينة في بحر متلاطم الأمواج علينا كلنا ألاّ نسمح لأيٍّ منا أن يتقصد أحداث ثقب فيها بحجة أنه حرٌّ في أن يفعل ما يشاء تحت المقعد الذي يجلس فوقه.
كنّا نتمنى لو أن «إخواننا» لم يلوذوا بهذه السلبية ولو أنهم لم يقرروا مقاطعة هذه الانتخابات التي هي لن تكون نهاية مسيرة بل مجرد محطة على طريق هذه المسيرة الطويلة لكن بالتالي فإن القرار بالنسبة لهذا الشأن الوطني يبقى قرارههم الذي لاشك في أنهم اتخذوه استجابة لظروفهم الداخلية التي هم يعرفونها أكثر من غيرهم.. ولقد جاء في قرآننا العظيم والكريم :»لاتهدي مَنْ أحببت إن الله يهدي من يشاء» صدق الله العظيم!